الــــــزوار
المواضيع الأخيرة
مواضيع مماثلة
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
الخطابي | ||||
AMG | ||||
Neo | ||||
مؤسسة ناظور أناقتي | ||||
زهرة الشرق | ||||
فراشة المغرب | ||||
zinebcool | ||||
younes123 | ||||
angel | ||||
ADSL |
بحـث
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 627 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو nadorforum فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 6453 مساهمة في هذا المنتدى في 2280 موضوع
سحابة الكلمات الدلالية
رواية الحياة أمل
5 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
رواية الحياة أمل
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
(¯`•._الحيـاة..أمـل _.•´¯)
الجزء 1
مــا ســر نـظراتـك؟
**************
منهمكة في قراءة الكتاب الذي بين يديها، كعادتها، من ينظر إليها يجزم أنها في عالم آخر، لا تحس بمن يمر من أمامها و لا بالأحاديث التي تدور حولها.
اليوم هو السبت، وأمل متعودة في هذا اليوم على زيارة المكتبة،بعد أن تقوم باختيار ما ستقرئه، تغادرها لأنها تعتبر الجو بداخلها كئيب، تخرج لتجلس بالساحة التابعة للمكتبة، تحب أن تبدأ بقراءة أحد الكتب على صوت مياه النافورة التي تتوسط الساحة.
غالبا ما يكون المكان يعج بالأشخاص خصوصا بهذا اليوم، وغالبا ما يكون رواد هذه المكتبة من التلامذة و الطلاب، أي من جيل الشباب. وهذا ما يفسر الضوضاء و الضحكات التي تتعالى من وقت لآخر، فبعض الطلبة يستغلون هذه الساحة لاجتماعاتهم و أحاديثهم فقط.
وهذا ما كان يثير غضب أمل دائما. و كأن المدينة قد خلت من الأماكن التي يمكن لهؤلاء الشباب تبادل قصصهم فيها غير ساحة المكتبة، لذا قد تجد نظراتها أحيانا قد تركت صفحات الكتاب و توجهت لمجموعة من المستهترين كما تحب أن تسميهم، ونظراتها الحادة واضحة جدا، تكاد تنطق بكلمتين: أنتم مزعجون .ثم تعود لتنغمس في عالمها الخاص.
كثير من رواد المكتبة كانوا قد تعودوا على هذه الفتاة، صاحبة الطبع و الملامح الهادئة، التي تزور المكتبة كل يوم سبت، وتجلس في نفس المكان، ونادرا ما تخاطب أحدا.
اليوم وقع اختيار أمل على رواية رومانسية، كانت منسجمة معها كل الانسجام، وعيونها تلتهم الصفحات في نهم شديد.
لكن، هل تعرفون ذلك الإحساس الذي يخبركم أن هناك عيونا تراقبكم، ذلك ما أحست به أمل فرفعت رأسها ببطء..
لتقع عينيها على عيني ذاك الشاب، كان يتمعن فيها بكل اهتمام. وما أثار استغراب أمل أنه لم يرتبك لكونها لاحظت نظراته، بل ابتسم ابتسامة جانبية هادئة، وتبادل كلمتين مع فتاة جالسة معه، ثم عادت نظراته لتتمعنها بنفس الاهتمام.
أحست أمل بارتباك شديد ، فلم تجد غير أن ترجع لروايتها، هاربة من نظرات هذا الشخص الغريبة و المستفزة في نفس الوقت، لكنها لم تستطع التركيز ،وكأنها كانت ترى عينيه على صفحات الرواية ترمقها بنفس الطريقة، عيون سوداء عميقة، تجعلك تبحر رغما عنك في أعماقها..
ابتسمت أمل بسخرية على نفسها وهمهمت بصوت خافت: وما يهمني منه، فلينظر كما يشاء، لم أنا مرتبكة هكذا ..
وقبل أن تعاود محاولة تركيزها فيما تقرأ، أضاءت شاشة هاتفها النقال باتصال، بعد أن رأت اسم صديقتها سلمى ردت بسرعة : ألو .. نعم؟
جاءها صوت سلمى من الطرف الآخر صارخا :
أمل..أين أنتِ؟ لا تقولي لي ما زلت بالمكتبة.. ألم نتفق أن تمري علي اليوم..قد أخبرتك بحاجتــي إلى الذهاب لل..
قاطعتها أمل بعد أن غيرت نبرة صوتها قليلا: لحظة، لحظة يا آنسة.. بمن تتصلين؟؟
ردت سلمى بتردد: ألستِ أمل؟
حاولت أمل أن تكتم ضحكتها و هي ترد: من الممكن أن أكون أمل في حالة واحدة، وهي أن لا تصرخي و أنت تتحدثين معي، آلمتني أذني من حدة صراخك..
زادت حدة صراخ سلمى وقالت بغضب: كم أنت سخيفة.. أولا نسيتِ موعدك معي، ثانيا تستظرفين نفسك..أمل يا سخيفة أنا أنتظرك في منزلي أين أنت؟
ضحكت أمل على انفعال صديقتها، هي دائما تجعلها تنفعل وتستمتع بهذا كثيرا.
سلمى: وتضحكين أيضا..حسنا سيكون لي معك حديث طويل، لكن بعد أن تسرعي فأنا أنتظرك و أتوقع أن تكوني عندي في أقل من ربع ساعة..
توقفت أمل عن الضحك كي لا تثير غضب صديقتها أكثر و ردت: أنا لازلت بالمكتبة، ولن أستطيع الوصول لمنزلك في ربع ساعة، أنت من تستظرف نفسها الآن.
سلمى ولا زال صوتها يحمل نبرة غضب : لا أدري لما أحتملك و لم أنت بالذات صديقتي
أمل : لأنني محبوبة و أنت لا تستطيعين غير مصادقتي.
سلمى: أقسم أنك سخيفة..سأمر عليك بالمكتبة بعد قليل، سأطلب من سامي إيصالي بسيارته، ولربما يوافق على إيصالنا معا لوسط المدينة ..
أمل:لا يا سلمى، إلا أخوك سامي، لست في حالة تسمح لي باحتمال كلماته المزعجة و لا الشجار معه.
سلمى وهي تكاد تنفجر: أمل..أنت أساسا السبب في أنني سأرجوه الآن ليوصلني إليك، و أنت تعلمين أنه سيستغل الفرصة لإذلالي، ثم لست أملك الوقت لأنتظرك حتى تمري علي بالمنزل، و لا أن أنتظر سيارة أجرة توصلني إليك، وأنا بحاجة لأشياء كثيرة علي أن أشتريها اليوم، وقد وعدتني أننا سنتسوق اليوم، فكما ترين أنت المخطئة، لذا من الأفضل أن تصمتي و تنتظريني حيث أنت..واضح؟؟؟
ردت عليها أمل وهي تمثل الخوف: حسنا..أرعبتني.. سأنتظرك لكن أرجوك لا تتأخري،
ورمت بنظرة خاطفة إلي حيث يجلس ذاك الشاب، وجدته منشغلا بالحديث مع مجموعة من الفتيات،
ثم أكملت: لا أود البقاء هنا طويلا..
ضحكت سلمى أخيرا وقالت: أمل لا تود البقاء طويلا في المكتبة.. يا سبحان الله. حسنا سأتركك الآن ولن أتأخر.
وضعت أمل الهاتف في حقيبتها و عادت تنظر لذاك الشاب، ليست هذه هي أول مرة تراه فيها، هو أيضا من رواد المكتبة الدائمين.
و إن كان واضحا أن أسباب مجيئه هنا تختلف عن أسبابها، ابتسمت بسخرية وهي ترى تلك المجموعة من الفتيات التي تلتف حوله، ويبدو على كل واحدة منهن استمتاعها بالحديث معه، ولم تخف عليها نظرات الإعجاب بعيونهن.
مما جعلها تتساءل عن سبب هذا الاستمتاع، أتراه حديثه المهم و المشوق كما يظهر، أو مظهره الجذاب. انتبهت أمل لنفسها و أوقفت أفكارها وهي تستعجب اهتمامها المفاجئ به، صحيح هو شخصية من الصعب عدم ملاحظتها، وذلك لمظهره الجذاب و الأنيق، لكنها تراه دائما هنا، وكانت قد لاحظت أنه غالبا ما يكون محاطا بمجموعة من الفتيات لا يتغير أفرادها تقريبا، بالإضافة إلى شاب آخر،حاول مرة أن يحادثها لكنها لم تعطه اهتماما. هي لم تهتم لهم جميعا من قبل، من المؤكد أن طريقة نظره إليها اليوم، هي السبب في أفكارها و تساؤلاتها حوله. إذا فلا مبرر للتعجب ،الموضوع طبيعي و عادي جدا..
اذا أعجبتك سأحضر بقية الأجزاء
في انتظار ردوودكم الغالية
(يتبع)
***************
(¯`•._الحيـاة..أمـل _.•´¯)
الجزء 1
مــا ســر نـظراتـك؟
**************
منهمكة في قراءة الكتاب الذي بين يديها، كعادتها، من ينظر إليها يجزم أنها في عالم آخر، لا تحس بمن يمر من أمامها و لا بالأحاديث التي تدور حولها.
اليوم هو السبت، وأمل متعودة في هذا اليوم على زيارة المكتبة،بعد أن تقوم باختيار ما ستقرئه، تغادرها لأنها تعتبر الجو بداخلها كئيب، تخرج لتجلس بالساحة التابعة للمكتبة، تحب أن تبدأ بقراءة أحد الكتب على صوت مياه النافورة التي تتوسط الساحة.
غالبا ما يكون المكان يعج بالأشخاص خصوصا بهذا اليوم، وغالبا ما يكون رواد هذه المكتبة من التلامذة و الطلاب، أي من جيل الشباب. وهذا ما يفسر الضوضاء و الضحكات التي تتعالى من وقت لآخر، فبعض الطلبة يستغلون هذه الساحة لاجتماعاتهم و أحاديثهم فقط.
وهذا ما كان يثير غضب أمل دائما. و كأن المدينة قد خلت من الأماكن التي يمكن لهؤلاء الشباب تبادل قصصهم فيها غير ساحة المكتبة، لذا قد تجد نظراتها أحيانا قد تركت صفحات الكتاب و توجهت لمجموعة من المستهترين كما تحب أن تسميهم، ونظراتها الحادة واضحة جدا، تكاد تنطق بكلمتين: أنتم مزعجون .ثم تعود لتنغمس في عالمها الخاص.
كثير من رواد المكتبة كانوا قد تعودوا على هذه الفتاة، صاحبة الطبع و الملامح الهادئة، التي تزور المكتبة كل يوم سبت، وتجلس في نفس المكان، ونادرا ما تخاطب أحدا.
اليوم وقع اختيار أمل على رواية رومانسية، كانت منسجمة معها كل الانسجام، وعيونها تلتهم الصفحات في نهم شديد.
لكن، هل تعرفون ذلك الإحساس الذي يخبركم أن هناك عيونا تراقبكم، ذلك ما أحست به أمل فرفعت رأسها ببطء..
لتقع عينيها على عيني ذاك الشاب، كان يتمعن فيها بكل اهتمام. وما أثار استغراب أمل أنه لم يرتبك لكونها لاحظت نظراته، بل ابتسم ابتسامة جانبية هادئة، وتبادل كلمتين مع فتاة جالسة معه، ثم عادت نظراته لتتمعنها بنفس الاهتمام.
أحست أمل بارتباك شديد ، فلم تجد غير أن ترجع لروايتها، هاربة من نظرات هذا الشخص الغريبة و المستفزة في نفس الوقت، لكنها لم تستطع التركيز ،وكأنها كانت ترى عينيه على صفحات الرواية ترمقها بنفس الطريقة، عيون سوداء عميقة، تجعلك تبحر رغما عنك في أعماقها..
ابتسمت أمل بسخرية على نفسها وهمهمت بصوت خافت: وما يهمني منه، فلينظر كما يشاء، لم أنا مرتبكة هكذا ..
وقبل أن تعاود محاولة تركيزها فيما تقرأ، أضاءت شاشة هاتفها النقال باتصال، بعد أن رأت اسم صديقتها سلمى ردت بسرعة : ألو .. نعم؟
جاءها صوت سلمى من الطرف الآخر صارخا :
أمل..أين أنتِ؟ لا تقولي لي ما زلت بالمكتبة.. ألم نتفق أن تمري علي اليوم..قد أخبرتك بحاجتــي إلى الذهاب لل..
قاطعتها أمل بعد أن غيرت نبرة صوتها قليلا: لحظة، لحظة يا آنسة.. بمن تتصلين؟؟
ردت سلمى بتردد: ألستِ أمل؟
حاولت أمل أن تكتم ضحكتها و هي ترد: من الممكن أن أكون أمل في حالة واحدة، وهي أن لا تصرخي و أنت تتحدثين معي، آلمتني أذني من حدة صراخك..
زادت حدة صراخ سلمى وقالت بغضب: كم أنت سخيفة.. أولا نسيتِ موعدك معي، ثانيا تستظرفين نفسك..أمل يا سخيفة أنا أنتظرك في منزلي أين أنت؟
ضحكت أمل على انفعال صديقتها، هي دائما تجعلها تنفعل وتستمتع بهذا كثيرا.
سلمى: وتضحكين أيضا..حسنا سيكون لي معك حديث طويل، لكن بعد أن تسرعي فأنا أنتظرك و أتوقع أن تكوني عندي في أقل من ربع ساعة..
توقفت أمل عن الضحك كي لا تثير غضب صديقتها أكثر و ردت: أنا لازلت بالمكتبة، ولن أستطيع الوصول لمنزلك في ربع ساعة، أنت من تستظرف نفسها الآن.
سلمى ولا زال صوتها يحمل نبرة غضب : لا أدري لما أحتملك و لم أنت بالذات صديقتي
أمل : لأنني محبوبة و أنت لا تستطيعين غير مصادقتي.
سلمى: أقسم أنك سخيفة..سأمر عليك بالمكتبة بعد قليل، سأطلب من سامي إيصالي بسيارته، ولربما يوافق على إيصالنا معا لوسط المدينة ..
أمل:لا يا سلمى، إلا أخوك سامي، لست في حالة تسمح لي باحتمال كلماته المزعجة و لا الشجار معه.
سلمى وهي تكاد تنفجر: أمل..أنت أساسا السبب في أنني سأرجوه الآن ليوصلني إليك، و أنت تعلمين أنه سيستغل الفرصة لإذلالي، ثم لست أملك الوقت لأنتظرك حتى تمري علي بالمنزل، و لا أن أنتظر سيارة أجرة توصلني إليك، وأنا بحاجة لأشياء كثيرة علي أن أشتريها اليوم، وقد وعدتني أننا سنتسوق اليوم، فكما ترين أنت المخطئة، لذا من الأفضل أن تصمتي و تنتظريني حيث أنت..واضح؟؟؟
ردت عليها أمل وهي تمثل الخوف: حسنا..أرعبتني.. سأنتظرك لكن أرجوك لا تتأخري،
ورمت بنظرة خاطفة إلي حيث يجلس ذاك الشاب، وجدته منشغلا بالحديث مع مجموعة من الفتيات،
ثم أكملت: لا أود البقاء هنا طويلا..
ضحكت سلمى أخيرا وقالت: أمل لا تود البقاء طويلا في المكتبة.. يا سبحان الله. حسنا سأتركك الآن ولن أتأخر.
وضعت أمل الهاتف في حقيبتها و عادت تنظر لذاك الشاب، ليست هذه هي أول مرة تراه فيها، هو أيضا من رواد المكتبة الدائمين.
و إن كان واضحا أن أسباب مجيئه هنا تختلف عن أسبابها، ابتسمت بسخرية وهي ترى تلك المجموعة من الفتيات التي تلتف حوله، ويبدو على كل واحدة منهن استمتاعها بالحديث معه، ولم تخف عليها نظرات الإعجاب بعيونهن.
مما جعلها تتساءل عن سبب هذا الاستمتاع، أتراه حديثه المهم و المشوق كما يظهر، أو مظهره الجذاب. انتبهت أمل لنفسها و أوقفت أفكارها وهي تستعجب اهتمامها المفاجئ به، صحيح هو شخصية من الصعب عدم ملاحظتها، وذلك لمظهره الجذاب و الأنيق، لكنها تراه دائما هنا، وكانت قد لاحظت أنه غالبا ما يكون محاطا بمجموعة من الفتيات لا يتغير أفرادها تقريبا، بالإضافة إلى شاب آخر،حاول مرة أن يحادثها لكنها لم تعطه اهتماما. هي لم تهتم لهم جميعا من قبل، من المؤكد أن طريقة نظره إليها اليوم، هي السبب في أفكارها و تساؤلاتها حوله. إذا فلا مبرر للتعجب ،الموضوع طبيعي و عادي جدا..
اذا أعجبتك سأحضر بقية الأجزاء
في انتظار ردوودكم الغالية
(يتبع)
***************
فراشة المغرب- عضو نشيط
- الجنس :
المزاج :
عدد الرسائل : 274
العمر : 29
العمل/الترفيه : طالبة
الاقامة : في جعبة الزمان
رد: رواية الحياة أمل
السلام عليكم و رخمة الله و بركاته
شكرا على الرواية يا فراشة المغرب و المنتدى. أنا أنتظر بقية الأجزاء.
شكرا على الرواية يا فراشة المغرب و المنتدى. أنا أنتظر بقية الأجزاء.
رد: رواية الحياة أمل
و عليكم السلام و رحمة الله وبركاته
نورت صفحتي المتواضعة باطلالتك سيدي المدير
سأحضر البقية في القريب
نورت صفحتي المتواضعة باطلالتك سيدي المدير
سأحضر البقية في القريب
فراشة المغرب- عضو نشيط
- الجنس :
المزاج :
عدد الرسائل : 274
العمر : 29
العمل/الترفيه : طالبة
الاقامة : في جعبة الزمان
رد: رواية الحياة أمل
شكرا على القصة الجميلة أختي فراشة المغرب
قصة شييقة مليئة بالمفاجئات
في إنتظار التتمة تقبلي مروري أختي الكريمة
قصة شييقة مليئة بالمفاجئات
في إنتظار التتمة تقبلي مروري أختي الكريمة
رد: رواية الحياة أمل
رواية معبرة أتمنى إكمال قرائتها 10 نقاط
شكرا فراشة المغرب
شكرا فراشة المغرب
M-MATRIX- مشرف عام
- الجنس :
المزاج :
عدد الرسائل : 79
العمر : 46
رد: رواية الحياة أمل
الخطابي كتب:شكرا على القصة الجميلة أختي فراشة المغرب
قصة شييقة مليئة بالمفاجئات
في إنتظار التتمة تقبلي مروري أختي الكريمة
العفووو أخي الكريم
جمال القصة اكتمل بمرووركم
يسلموووو على المرور العطر
فراشة المغرب- عضو نشيط
- الجنس :
المزاج :
عدد الرسائل : 274
العمر : 29
العمل/الترفيه : طالبة
الاقامة : في جعبة الزمان
رد: رواية الحياة أمل
M-MATRIX كتب:رواية معبرة أتمنى إكمال قرائتها 10 نقاط
شكرا فراشة المغرب
لا شكر على واجب أخي
نورت موضوعي بمروورك الجميل
جزاك الله خيراا
فراشة المغرب- عضو نشيط
- الجنس :
المزاج :
عدد الرسائل : 274
العمر : 29
العمل/الترفيه : طالبة
الاقامة : في جعبة الزمان
رد: رواية الحياة أمل
***************
منذ أن صعدت أمل السيارة، و سلمى لم تنطق بحرف واحد، كانت تتابع الطريق من النافذة بوجوم، وأمل كانت تنظر إليها و هي مبتسمة، و لم تحاول الحديث معها، لأنها تعلم أن سلمى هي من ستضيق ذرعا من الصمت، وستتحدث بعد دقائق.
لكن سامي هو من تحدث حين لاحظ الصمت المخيم على أخته و صديقتها:
- ما بكما.. من الغريب أن تكونا معا و تلزما الصمت، هل وقعت مشكلة بينكما أم ماذا؟
سلمى لم تهتم بعبارته، أما أمل فرمقته ببراءة مصطنعة وكأنها تقول:ليست هناك أي مشكلة بالنسبة لي.
ضحك سامي على رد أمل الصامت وهو يقول:
- من فضلك هذه النظرات البريئة وفريها لغيري، فهي لا تخدعني يا أمل، قولي لي ماذا فعلت لأختي؟
ردت أمل باستنكار: أنا؟؟ أبدا ،لم أفعل شيئا !!
وأخيرا نطقت سلمى وهي تصرخ بوجه أمل :
- لم تفعلي شيئا غير أنك نسيتي أو تناسيتي أني طلبت منك أن لا تذهبي اليوم لتلك المكتبة، و أني بحاجه إليك لنتسوق معا، وقد وافقت، و اتصلت بك أمس ليلا لأذكرك لكن..
قاطعتها أمل:
- نعم أعلم، لكن قلت سأذهب لأحضر بعض الكتب ثم أمر عليك، لا أدري كيف داهمني الوقت حتى وجدتك تتصلين بي.
قال سامي ضاحكا:
- لو طلبت رأيي يا سلمى هذا ليس عذرا، صديقتك هذه لا تعيرك أي اهتمام وتفضل عليك الكتب..
رمته أمل بنظرات حانقة وهي تقول:- من فضلك، لم يطلب منك أحد التدخل أو إبداء الرأي..
هز سامي كتفيه وقال بلامبالاة :- أنا لم أخاطبكِ، أنا أبدي رأيي لأختي العزيزة وليس لك.
تجاهلت أمل عبارته وعادت تبتسم ببراءة لصديقتها وهي تقول:
- حسنا يا سلمى كيف تودين أن أكفر عن هذا الخطأ الكبير، الذي اقترفته في حق صديقتي ؟
ردت سلمى ببرود وكأنها لم تتأثر بأسلوب أمل في الحديث :
- ما يزعج أكثر أني لم أسمع منك حتى كلمة آسفة للآن.
ضحكت أمل على صديقتها وهي تقول:- آسفة..آسفة..آسفة
بدأ شبح الابتسامة يظهر على شفتي سلمى لكنها حاولت الاحتفاظ ببرودها وقالت : لا يكفي.
أمل: وما الذي سيكفي إذا؟
ابتسمت سلمى ابتسامة عريضة و هي تشير لخدها، فاقتربت منها أمل ضاحكة و عانقتها ثم طبعت قبلة على خدها.
استدار سامي إليهما قائلا : ستلتهمين أختي، أتركيها و شأنها...
ردت أمل بحنق: أتركنا أنت وشأننا و استدر و أنظر أمامك ستتسبب لنا في حادثة،أو على الأقل أوصلنا لمبتغانا، ثم تسبب فيما تريد من حوادث لنفسك.
لم تكد تنهي عبارتها حتى توقفت السيارة فجأة جعلتها تهتز بقوة في مكانها، وقبل أن تنطق بكلمة، وجدت سامي يفتح باب السيارة أمامها قائلا ببرود شديد : وها قد وصلتي..
ثم استدار لأخته وأكمل: لا تتأخري يا سلمى، فلن آتي لأصطحبكما إن تأخرتما ولم تجدا سيارة أجرة، مفهوم؟
ردت سلمى وهي مازالت أيضا مصدومة من طريقة توقفه بالسيارة: أولا لم يكن عليك أن تتوقف بهذا الشكل.. أرعبتني ، ثانيا أنت وهذه السخيفة- و أشارت لأمل- تتصرفان كالأطفال، و أظنه حان الوقت لتغيرا طريقة التعامل هذه، ثالثا قد أخبرت أمي أني لربما أتأخر، ولا تخشى شيئا لن أتصل بك لتصطحبنا، سنتدبر أمرنا.
فور أن نزلت الفتاتان من السيارة، انطلق سامي بها بسرعة مخيفة، جعلت كل من في الشارع يتابعه بذهول وهو يبتعد.
قالت سلمى و هي تمسك بيد أمل و تجذبها ناحية محل للملابس: لا أدري ما يحدث له أحيانا يتصرف بجنون
ردت أمل ساخرة: أحيانا ؟ !! أخوك هذا.. الجنون صفة ملازمة له..
سلمى : لا أدري، ولكن عليكما أن تغيرا أسلوب حديثكما معا، تتصرفان فعلا كالأطفال.
ردت أمل بملل متعمد لتقفل الحديث بهذا الموضوع : دعينا من هذا الكلام، فليس الأمر بيدي، هو من يجعلني أتحدث بهذه الطريقة بتصرفاته و كلماته المستفزة.
**********
في هذه الأثناء كان سامي قد توقف بالسيارة على جانب أحد الشوارع، فقد شعر بضيق شديد ، كانت كلمات أمل تترد في ذهنه : أتركنا أنت وشأننا و استدر و أنظر أمامك ستتسبب لنا في حادثة، أو على الأقل أوصلنا لمبتغانا ثم تسبب فيما تريد من حوادث لنفسك.
كان يتساءل لم كلماتها جعلته يتضايق لهذه الدرجة، أ لأنها تعبر عن عدم خوفها عليه و اهتمامها به، ولم يتضايق من هذا؟ هذا الأمر معروف ومعلوم لديه.
أمل انتقلت للسكن بحيه وهي بنت العشر سنوات، وفور وصولها أصبحت هي و أخته صديقات، بل علاقتهما تتعدى الصادقة بكثير، هما كالأختين تماما.
حتى والديه ووالدي أمل أصبحت تجمعهم علاقة وطيدة،تحولت العائلتين تقريبا لعائلة واحدة، و أمل كان تقضي أغلب أوقاتها بمنزلهم ،لأنه يحتوي على حديقة واسعة تسمح لهم باللعب بحرية، ابتسم سامي وهو يتذكر كل الأحداث التي جرت بتلك الحديقة وهم صغار، هو يكبر أمل و سلمى بثلاث سنوات، لكنه كان يفضل اللعب معهما على اللعب مع أولاد حيه، بالأحرى ليس اللعب معهما لكن مضايقتهما باستمرار، وخصوصا أمل، كان لا يفارقها،كظلها تماما. ويتفنن في طرق مضايقتها و إخافتها فيجعلها تبكي دائما، ودائما ما كان يتلقى التأنيب و العقاب من والديه ليتوقف عن مضايقتها، لكنه لم يتوقف أبدا، ولليوم لم يتوقف..
أدار سامي محرك السيارة ثم انطلق عائدا لمنزله، والابتسامة لم تفارقه وهو يحدث نفسه : نعم لازلت سامي الصغير الذي يحب مضايقة أمل ورؤية دموعها، صحيح هي أصبحت فتاة قوية، لم تعد تلك الطفلة الضعيفة، ولم أعد أرى تلك الدموع كالسابق، ولكن نظرتها لي هي هي لم تتغير، سامي المشاغب المزعج الذي عليها أن تبتعد عنه لتأمن شره. فلم أتساءل إذا عن سبب أسلوبها الفظ في التعامل معي، أنا من فرض ومنذ زمن هذا الأسلوب في التعامل بيننا، ثم لم أشغل نفسي بهذا، هل أريدها أن تغير رأيها بي؟ ولم قد أريدها أن تغيره؟؟
الأيام هي التي ستمنح سامي الأجوبة التي لم يعثر عليها الآن..
*********
في المركز التجاري، كانت أمل قد بدأت تحس بالتعب من الانتقال بين محلات الملابس و الأحذية و والحلي والعطور...إلى آخره.
والمشكلة أن سلمى لا يبدو عليها أي تعب، بالعكس كلما اشترت شيئا، اكتشفت أنه لازال ينقصها أشياء، فتعود للبحث عن ما تريد في المحلات بكل نشاط و حماس. وهي تجر أمل وراءها جرا..
لم تستطع أمل المتابعة فتوقفت وهي تأن : سلمى كفاك ما اشتريت، قدماي تؤلمانني لن أستطيع متابعة السير..
ردت عليها سلمى من دون أن تلتفت إليها وهي تدقق النظر في الفساتين المعروضة على واجهة محل: - غدا صباحا سيغادر أحمد باريس، ويأتي عندنا ليراني، و لن يكون عندي الوقت بعدها للتسوق، تعلمين أن حفل زفافنا بعد أسبوعين، وبعدها سنسافر، وأنا للآن لم أبتع كل احتياجاتي..
ابتسمت أمل ابتسامة ذات معنى وهي تقول:
- جيد، من المؤكد أنكما ستخرجان سويا..فلم لا تؤجلين شراء بضعة أشياء حتى يكون معك ويساعدك في الاختيار، رأيه مهم أيضا كما تعلمين..
ردت سلمى و هي تهم بالدخول للمحل:- لا..هو لا يحب التسوق، خصوصا معي..
مطت أمل شفتيها وقالت باستسلام وهي تتبعها لداخل المحل:
- لأنه يعلم أن التسوق معك من المهام الصعبة، قد تورمت قدماي من السير، وأنت لا تختارين شيئا بسهولة، علينا أن نطوف بكل المراكز التجارية حتى تجدي ما يرضيك، ثم لا أفهم لم تبتاعين كل هذا، بعد أسبوعين ستكونين بباريس، بإمكانك أن تجدي أشياء أجمل بكثير هناك..
أغمضت سلمى عينيها لثانية وهي تتمتم حالمة: كم أتمنى أن تمر الأيام بسرعة..
قاطعتها أمل ضاحكة: يا الهي !!! تحلي ببعض الحياء يا فتاة، إياك أن تتصرفي هكذا أمام أحمد، سيعلم أنك مجنونة به بهذه الطريقة، و قد لا يكون هذا لصالحك، يكفي انك تخليت عن متابعة الدراسة بالجامعة من أجله..
سلمى: هو يعلم أني مجنونة به و إن لم أقلها للآن بصراحة، وهذا لا يزيده إلا جنونا بي هو الآخر، فوفري نصائحك لنفسك يا متحذلقة، أتمنى أن أراك كيف ستتصرفين لو وقعت بحب أحدهم، سيكون أمرا يستحق المشاهدة..
عقدت أمل حاجبيها وهي تمثل الغضب: مشاهدة؟ لم؟.. هل أنا معروضة في سيرك ما أم ماذا..
ضحكت سلمى بمرح وهي تقول: لا، لكنك حالة فريدة من نوعها، تظنين أن الإنسان من الممكن أن يتحكم في مشاعره، لذا أتمنى فعلا أن أراك عاشقة يوما ما لنعرف كيف ستتحكمين بمشاعرك..
ردت أمل بثقة : طبعا مشاعري ملكي لذا من السهل أن أتحكم بها، لست مثلك تكادين تفقدين صوابك بسبب أحمد.
سلمى وهي ممسكة بيد أمل خارجين من المحل، فلم تجد ما يعجبها به : لا أدري لم أشعر أحيانا أنك تغارين منه.
أمل : أعترف.. أغار منه، لأنه سيأخذ مني صديقتي و أقرب شخص الي بعيدا، لا أدري كيف سأبدأ هذه السنة بالجامعة من دونك، وكيف سأتابع حياتي من دونك، ونحن لم نفترق منذ عشر سنوات.
اقتربت سلمى من أمل وعانقتها بقوة وتسللت دمعة رغما عنها وانسابت على خدها، ثم قالت وهي لا تزال متعانقة مع أمل : وأنا أيضا لا أدري كيف سيمر يوم علي من دون الحديث معك، لكن كوني واثقة سأتصل بك كل يوم و لن أريحك مني كما تتوقعين.
أمل بارتباك وهي تبعد سلمى عنها برفق: ابتعدي، كل من يمر ينظر إلينا، ليس هناك سبب لكل هذه الدراما..
ابتعدت سلمى مبتسمة ومسحت دمعتها وهي تقول :لم كل هذا الارتباك.. لن تتغيري أبدا، أتمنى أن يأتي اليوم الذي تفهمين فيه أن المشاعر ليست ضعفا أو عيبا أبدا يا أمل.
ردت أمل بابتسامة واسعة: لا أظن أن يوما كهذا سيأتي، وحتى إن أتى فستكونين بعيدة، لذا لن تستمتعي بمشاهدتي كما تودين.
ونظرت لكل الأكياس التي بيدها و بيد سلمى قبل أن تكمل: ومن فضلك، يكفي كل ما ابتعناه، لن نستطيع حمل المزيد.
هزت سلمى رأسها موافقة وهي تقول: فعلا، للأسف لن نستطيع حمل المزيد، علينا أن نجد سيارة أجرة الآن، تأخرنا.
خرجت الفتاتان من المركز التجاري واستقلتا سيارة أجرة، وكل منهما غارقة في أفكارها.
سلمى سرحت بعيدا، تنتظر يوم الغد بفارغ الصبر، اشتاقت لخطيبها أحمد الذي سيصبح زوجها قريبا، سرحت في أحلامها الوردية التي تجمعها معه، وكانت بذهنها تساؤلات كثيرة عن مستقبلها معه.
أما أمل فقد كانت تفكر في أن الموسم الدراسي الجديد سيبدأ قريبا، وستضطر لقضاء السنتين المتبقيتين لها في الجامعة دون صديقتها سلمى، ثم وجدت أفكارها تأخذ منحى آخر، استرجعت تلك اللحظة التي التقت فيها نظراتها بنظرات ذلك الشاب بالمكتبة، واستغربت لم تذكرته الآن؟؟
الأيام القادمة أيضا هي الوحيدة القادرة على توفير أجوبة للأسئلة التي تدور بذهن كل من سلمى و أمل..
***********
>>> يتــبــع >>>
فراشة المغرب- عضو نشيط
- الجنس :
المزاج :
عدد الرسائل : 274
العمر : 29
العمل/الترفيه : طالبة
الاقامة : في جعبة الزمان
رد: رواية الحياة أمل
فعلا قصة رائعة مليئة بالأحداث
شكرا على القصة الرائعة
في إنتظار التتمة أختي فراشة المغرب
شكرا على القصة الرائعة
في إنتظار التتمة أختي فراشة المغرب
رد: رواية الحياة أمل
الرووعة في ردك أخي
يسلمووو على ردك و متابعتك
أحب أسلوب التشويق في الطرح
لذلك البقية في المرة القادمة
يسلمووو على ردك و متابعتك
أحب أسلوب التشويق في الطرح
لذلك البقية في المرة القادمة
فراشة المغرب- عضو نشيط
- الجنس :
المزاج :
عدد الرسائل : 274
العمر : 29
العمل/الترفيه : طالبة
الاقامة : في جعبة الزمان
رد: رواية الحياة أمل
الجزء الــثانــي :
-2-
وداعــا صديقتــي..
**********
استيقظت أمل على صوت طرق خفيف على باب غرفتها، فتحت عينيها ببطء، ثم قالت بوهن:
الباب غير مغلق، أدخلي يا أمي..
فُتح الباب، لكنها وجدت سلمى تنقض عليها و ترمي الغطاء الذي كانت تختفي تحته بعيدا، ثم توجهت
للنافذة وفتحتها بقوة، مما جعل أمل تغلق عينيها بألم، من وقع نور الشمس الذي تسلل للغرفة.
وقبل أن تستجمع قوتها لتصرخ في وجه سلمى، بادرتها هذه الأخيرة قائلة:
متى بالله عليك ستغيرين عادتك هذه ؟ألم تعديني أن تستيقظي اليوم باكرا، وتأتي لمنزلي لتساعديني في تجهيز نفسي ! أحمد سيصل على الغداء، ليس عندنا وقت.
استدارت أمل للجانب الآخر من السرير و هي مصرة على إكمال نومها : تقصدين ليس عندك أنتِ
الوقت، لذا اذهبي و دعيني أنام، ولنتحدث عن إهمالي لمواعيدي في وقت آخر.
لكن سلمى أمسكت بذراعها لتحملها على النهوض وهي تصرخ: ليس شأني أنك تريدين النوم، كل ما
أعرفه أنه كان عليك أن تأتي عندي باكرا.لذا انهضي الآن حالا..
نهضت أمل وهي تحاول رفع صوتها أيضا و الصراخ في وجه سلمى:
كنت سآتي عندك باكرا، لو لم تظلي عندي أمس لبعد منتصف الليل، وليس على لسانك غير أحمد، و
حكايات أحمد، وشوقك لأحمد، لا أدري ما هذا الحظ الذي جعل والدي يشتري منزلا ملاصقا لمنزل
مزعجة مثلك.
ضحكت سلمى ورمت بمنشفة في وجه أمل وهي تقول: لا يناسبك الصراخ أبدا، أمل الهادئة دائما لا تصرخ، هيا قومي و اغتسلي، سأنتظرك تحت بالمطبخ، قد شممت رائحة كعك والدتك الشهي..
قامت أمل مسرعة بطريقة مضحكة متجهة للحمام وهي تقول: ماذا ؟حضرت أمي الكعك؟؟
خرجت سلمى من الغرفة دون أن ترد عليها، وقبل أن تغلق الباب أطلت برأسها وابتسمت بخبث ثم قالت: لا، حضرت لي الكعك، لأنني يا عزيزتي لن أترك لكي شيئا، عقابا على إهمالك المستمر لي. وانطلقت مسرعة تنزل الدرج وصوت ضحكاتها يتعالى.
صرخت أمل من الحمام آملة أن تسمعها سلمى:
سلمى، إلا الكعك.. لن أسامحك إذا التهمته كله أيتها الشرهة، أتسمعين لن أسامحك.
ثم ابتسمت رغما عنها وهي تقول: سأفتقدك كثيرا يا سلمى.
**********
نظرت الموظفة بالمطار للشاب الفارع الطول الذي يقف أمامها، ثم عادت تدقق النظر في صورته على جواز السفر، وقالت بهدوء: أنت تسافر كثيرا..
أجابها الشاب بنفس الهدوء : أجل.
التفتت الموظفة الشقراء لشاشة الحاسوب أمامها ثم سألته : أحمد سيف الدين؟
رد أحمد بطريقة آلية :أجل..
رسمت الموظفة ابتسامة عريضة على شفتيها وهي تقول: وما سبب السفر هذه المرة؟
عقد أحمد حجابيه وهو يحس بالملل من أسئلتها الكثيرة: ماذا هناك لم كل هذه الأسئلة؟ أم أنها قاعدة الشك بأصحاب الملامح و الأسماء العربية؟
ضحكت الموظفة ثم قالت وهي تعيد لأحمد أوراقه: لا أبدا، قد فهمتني خطأ، أتمنى لك رحلة سعيدة..
بعد دقائق كان أحمد قد استقر بمقعده بالطائرة، أغلق عينيه مقررا أن يخلد للنوم لعل الوقت يمر بسرعة. بعد ثلاث ساعات على الأكثر سيكون مع سلمى،قد اشتاق إليها كثيرا، بمجرد أن وصلت أفكاره إليها لم يستطع غير فتح محفظته الصغيرة ،ليملأ عينيه من تقاطيع وجهها المبتسم دائما، كما في الصورة تماما، قريبا ستصبح هذه الفتاة المرحة زوجة له، كم ينتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر !
************
تحولت غرفة نوم سلمى إلى معرض للملابس ، فقد قامت بإخراج كل ما في خزانتها وبعثرته فوق السرير وعلى المكتب، حتى أرضية الغرفة امتلأت بقطع الملابس و الأحذية..
لنتحرى الصدق ، سلمى كانت قد قررت ما سترتدي اليوم منذ أسبوع، وقد كان اختيارها قد وقع على فستان أبيض مطرز بورود حمراء، لكنها لم تجد مانعا من عرض كل ما لديها على أمل، لتقرر معها إذا كان هناك ما ينقصها للآن، بالإضافة إلى أنها وجدتها وسيلة جيدة لتخفف من حدة التوتر الذي تشعر به كلما اقترب موعد وصول أحمد.
كانت الفتاتين غارقتين بتنسيق الملابس و اختيار القطع التي تتناسب مع بعضها البعض، و اختيار ما يتماشى مع كل فستان من الحلي و الأحذية، مهمة تحتاج لتركيز شديد طبعا!
لذا لم تنتبها لسامي الذي وجد باب الغرفة مفتوحا، فظل يراقبهما وعينيه تتابعان حركات إحداهما بالذات، لكن حين تيقن أنهما لن تنتبها له ولو ظل واقفا بمكانه لساعات، تنحنح في مكانه ثم قال بصوت عال متعمدا :
- هل تريدان أية مساعدة يا فتيات؟
شهقت سلمى بقوة ووضعت يدها على قلبها وهي تقول :أخفتني.. ستتسبب يوما بموتي، منذ متى و أنت هنا؟
رد سامي كاذبا : وصلت لتوي.. ثم التفت لأمل وغمز لها بعينه وهو يكمل: و أنت ألم أرعبك؟
همت أمل أن تقول شيئا لكنه سبقها قائلا وهو يضرب جبينه بيده و كأنه قد نسي شيئا مهما: يا الهي، كيف لي أن أنسى؟ أمل لا تخاف، لأنها تضع كل أحاسيسها ومشاعرها جانبا، قلبك من حجر يا أمل أليس كذلك؟
ردت أمل وقد أزعجتها كلمات سامي: لا..أنا لا أخاف، لأن تصرفاتك الصبيانية هذه لا تخيف، قد كبرت على هذه التصرفات يا سامي، الله أعلم منذ متى و أنت تراقبنا..
ضحك سامي وهو يتعمد استفزاز أمل: أنت تعطين لنفسك أهمية كبيرة، قد كنت أراقب أختي كما تعلمين ستسافر قريبا و سأشتاق إليها.
شهقت سلمى ثانية، لكن هذه المرة على كلمات سامي، فهو دائما يحب استفزازها و إذلالها، لذا من النادر أن تسمع منه مثل هذا الكلام الجميل بحقها.
أما أمل فقد قالت وهي تكتم غضبها بصعوبة: أحسدها على سفرها لسبب واحد، وهو أنها سترتاح منك.
ثم أشاحت بوجهها بعيدا معلنة عن نهاية الحوار.
قالت سلمى بمرح مصطنع بعد أن أحست بحدة التوتر بين الاثنين: هل كان علي أن أبتعد عنك، لأعرف أنك تحبني لهذه الدرجة، كفاك كذبا و أخبرني ماذا تريد؟
رد سامي وهو لم يفارق أمل بعينيه: لست أنا من يريد، إنها أمي..تحتاجك بالمطبخ.
قامت سلمى مسرعة نحو الباب و هي تبعد الملابس المبعثرة في كل مكان عن طريقها ثم قالت: سأعود حالا يا أمل، ابدئي باعادة هذه الأغراض لمكانها..
خرجت سلمى من الغرفة، لكن سامي ظل بمكانه، وهو لم يبعد عينيه عن أمل بعد، هذه الأخيرة ظلت صامتة لبرهة و هي تعيد الملابس للخزانة، ظنت انه سيمل الوقوف و ينصرف،
لكنه لم يفعل لذا بادرته قائلة: ماذا الآن؟
رفع سامي حاجبيه وقال ببلادة: ماذا الآن؟
أمل بصبر : لم تنظر إلي هكذا؟
أبعد سامي عينيه عن أمل أخيرا، ثم قال وهو يحدق بالسقف: كنت فقط أتساءل عما ستفعلينه بعد أن تسافر سلمى، و أنتما الاثنتان لم تفترقا منذ مدة طويلة.
ردت أمل و قد اعتلى صوتها بعض الحزن: انه القدر، أنا أتمنى لها السعادة فقط، وسعادتها الآن مع من سيكون شريكا لحياتها.
أنزل سامي عينيه بغتة وتطلع لأمل بطريقة غريبة وهو يقول: وأنت متى ستجدين شريك حياتك؟ ألا تفكرين بالزواج؟
تفاجأت أمل لسؤاله لكنها ردت بابتسامة هادئة : لمَ تسأل.. هل تود أن تتخلص منا نحن الاثنتين معا؟
سامي وهو يستدير مبتعدا: أنت تبدين أجمل بكثير و أنت مبتسمة..ثم لعلمك قد أود أن أتخلص من أي شخص إلا أنت .
قالت أمل باندهاش: ولم؟
قال سامي دون أن يتوقف وبنبرة غامضة:ربما لأني أحب مضايقتك، هواية من هواياتي المفضلة..مضايقة أمل..وأنا لا أتخلى عن هواياتي أبدا، تيقني من هذا..
لم تدر أمل هل تحس بالغضب من كلماته، أم بالدهشة لغرابة و غموض ما يقول، وما زادها دهشة هو صوت صياح سلمى وهي تقترب من الغرفة غاضبة: سامي يا كاذب، أمي لم تطلبني، انتظرني فقط سأجعلك تندم على كذبتك هذه..
*********
- أمل ..هل هذه أنت؟
أغلقت أمل باب المنزل و ردت على والدتها: نعم أمي..
خرجت والدة أمل من المطبخ وهي تسألها: لمَ لم تظلي عند صديقتك؟
أمل : قد اتصل أحمد بهم منذ دقائق فقد حطت طائرته بالمطار، و سيكون عندهم في أية لحظة..
ابتسمت والدة أمل ابتسامة حانية و هي تقول لابنتها : كم أنا سعيدة من أجلها، وما يجعلني سعيدة أكثر هو أن فرحتها بزواجها واضحة بعينيها، أتمنى أن أطمئن عليك أنت أيضا يا أمل، و أن أرى هذه الفرحة بعينيك قريبا...
اقتربت أمل وقبلت والدتها على جبينها وهي تقول: بالنسبة لي لا أفكر بهذا الآن، تعلمين هذا يا أمي..
ثم ابتعدت قليلا و أكملت: سأذهب لغرفتي الآن ..هل تحتاجينني في شيء؟
ردت والدتها: أجل، اتصلي بسامي، أود أن يحضر لي معه بضعة أشياء من السوق و هو عائد من عمله، اتصلت بوالدك لكنه قال أنه سيتأخر كثيرا..
بمجرد أن سمعت أمل اسم سامي علت وجهها بعض أمارات الضيق، لكنها حاولت إخفاءها وردت بهدوء: سامي بمنزله الآن وليس بالعمل، أم نسيتي أن اليوم عطلة ..
قالت والدة أمل وهي تفكر : ماذا سأفعل الآن، قد قلت لأم سلمى أني من سيحضر الحلويات و الكعك، لكن هناك أشياء تنقصني.
ابتسمت أمل لوالدتها وهي تقول: لا عليك يا أمي، اخبريني بكل ما ينقصك، وسأذهب أنا للسوق..
ردت والدة أمل براحة: بارك الله فيك يا ابنتي، خذي ورقة و قلم لأملي عليك ما أحتاجه، لكن حاولي أن لا تتأخري بالرجوع.
أخذت والدة أمل تملي عليها احتياجاتها، وهي تنظر لابنتها بحنان، وكل ما تفكر به أنها تتمنى رؤيتها في كنف زوج يصونها ويحميها، فمنذ أيام وهي تشعر بقلق وخوف كبير على أمل، قلبها ينبئها بأن الحياة لن تظل مبتسمة لابنتها،وقلب الأم لا يخطئ..
********
كانت سلمى واقفة أمام المرآة بغرفتها، تتمعن مكياجها الهادئ و تسريحة شعرها الأسود الحالك ثم تمتمت : كم أنت ماهرة في هذا يا أمل، أبدو أجمل من الواقع بكثير !!
وحين سمعت طرقات على الباب تسارعت دقات قلبها، من المؤكد أن أحمد وصل، اتجهت للباب بسرعة وفتحته فوجدت سامي وعلى شفتيه ابتسامة، انتظرته أن يتحدث لكنه ظل ينظر إليها بإعجاب، فقالت بتوتر شديد: هل وصل أحمد؟
أمسك سامي بيدها وهو يخرجها من الغرفة ثم أغلق الباب ورائهما قبل أن يقول : نعم قد وصل للتو..لكن ما كل هذا الجمال الذي نزل عليك فجأة؟ !
ضربته سلمى بخفة على كتفه وهي تقول : أنا دائما جميلة..
ضحك سامي ثم قال : طبعا.. طبعا ومن قال غير هذا؟ هيا أسرعي.. فمن الواضح على أحمد انه لا يطيق صبرا ليراك..
انصبغ وجه سلمى بحمرة الخجل و عادت لتضربه، ثم قالت : أصمت.
مرر سامي أصابعه على فمه وكأنه يغلقه، فضحكت سلمى على حركته مما جعل توترها يخف قليلا.
كان احمد في غرفة الجلوس،يتحدث مع والد سامي وما ان لمح سلمى تنزل الدرج، حتى توقف الزمن بالنسبة إليه، وتعلقت عينيه بها وهو يعد خطواتها إليه..
اقتربت سلمى مطأطئة رأسها، قد غلبها التوتر و كأنها تراه لأول مرة، فطول مدة غيابه عنها هو ما جعل كليهما يترقبان لحظة لقاءهما وكأن دهورا مرت منذ آخر لقاء..
جاءها صوت أحمد الهادئ وهو يقول: كيف حالك يا سلمى؟
رفعت سلمى رأسها أخيرا و نظرت إليه، وحين تلاقت عينيها بعينيه أحست وكأنها غير قادرة على الوقوف، فحاولت الحفاظ على هدوئها و جلست على الأريكة، وهي ترد عليه دون أن تبعد عينيها عنه: بخير حال..و أنت؟
ابتسم أحمد لأنه أحس بالتوتر الشديد الذي تخفيه خلف قناع الهدوء ورد: أنا بخير..
كان سامي ينظر إليهما وعلى شفتيه ابتسامة، واقترب ليجلس هو الآخر لكن والده اعتدل واقفا ونظر له نظرة معناها –الحق بي - ، ثم قال: سأعود حالا..
ابتعد الاثنين معا ، وتركا أحمد وسلمى التي عادت تطأطئ رأسها قائلة : كيف كانت الرحلة؟
ابتسم أحمد وهو يقول: ارفعي رأسك و أنت تتحدثين.. و ساعات الرحلة مرت علي كالسنوات لأني كنت أعد الثواني لحين لقائي بك..
رفعت سلمى رأسها مبتسمة ابتسامة خجولة، مما جعل أحمد يضحك وهو يقول: ماذا هناك و كأنه أول لقاءا بيننا..أين سلمى المشاكسة والمرحة؟
ضحكت سلمى هي الأخرى وردت: انتظر لدقائق فقط، وستجد سلمى عادت لطبعها المشاكس والمرح. كل ما في الأمر أنني..
وأوقفت عبارتها دون أن تكمل،
فقال أحمد: أنك ماذا ؟
لكنها لم ترد فعاد يسأل بابتسامة عريضة: اشتقت إلي مثلا؟؟
ابتسمت سلمى بخجل ثم ردت: تقريبا..
ضحك أحمد وهو يهز رأسه بيأس من ردها المراوغ، وشاركته سلمى الضحك، ثم بدأ يحكي لها عن كل ما مر عليه طول مدة سفره هذه المرة، وغاب الاثنين في عالمهما الخاص..
***********
استلقت أمل على السرير، ثم أضاءت الأباجورة لتكمل قراءة روايتها التي بدأتها منذ يومين، من عاداتها أن تقرأ أي شيء حتى يغلبها النوم. لم تكد تقرأ سطرين، حتى سمعت رنين هاتفها، نظرت إليه بعينين ناعستين ثم أمسكته وردت ببرود:
- من الجميل أنك لازلت تذكرينني..
جاءها صوت سلمى ومعالم الفرحة واضحة عليه: لا تقولي هذا، كيف لي أن أنساك يا غبية، كل ما في الأمر أن أحمد لم يغادر إلا منذ ثوان، فأسرعت بالاتصال بك.
ردت أمل وقد غاب البرود عن صوتها و حل محله بعض الفضول : هااا، أخبريني كيف كان يومك؟
تنهدت سلمى ثم قالت بنبرة حالمة: يا الهي لو تدرين كم أنا سعيدة، أخشى أن أجن من شدة سعادتي، لكني لن أخبرك بتفاصيل، حتى تقومي و تأتي إلي ، أود أن أتحدث إليك فعلا و إلا سأجن..
نظرت أمل إلى الساعة على الحائط ثم قالت: لقد تأخر الوقت الآن، ثم أنت لم تدعيني أنم ليلة أمس، وأيقظتني باكرا اليوم، لذا فانا أحس بالتعب و لن أستطيع السهر هذه الليلة..
سلمى : أنا أيضا لم أنم منذ أمس سوى ساعتين، ولست أحس بأي تعب فكفاك دلالا و تعالي.
ردت أمل ضاحكة : أنت لا تحسين بتعب لأنك في قمة حماسك.. هيا أخبريني بكل تفاصيل ما حدث أو لنؤجل هذا الحديث كله للغد.
زفرت سلمى بحدة ثم قالت : كم أنت عنيدة ! حسنا لنؤجله للغد لأن حديثي سيطول. هل ستنامين الآن؟
أغلقت أمل الرواية التي بيدها ووضعتها فوق المنضدة بجانبها ثم قالت: كنت سأقرأ قليلا، لكن أظنني سأستسلم للنوم الآن، أحس بالتعب..
سلمى: ماذا تقرئين.. هل من رواية جديدة؟
أمل وهي تفرك عينيها وتجاهد ليظلا مفتوحتين: نعم، أحضرت رواية رومانسية جميلة آخر مرة زرت المكتبة.. و الآن هل لي أن أقول لك تصبحين على خير، أعلم أنك متحمسة جدا.. لكن حاولي النوم أنت أيضا، حتى لا تفقدي رونقك وحيويتك أنت عروس الآن..
ضحكت سلمى ثم قالت : شكرا على النصيحة و تصبحين على خير..
أغلقت أمل هاتفها حتى لا يزعجها أحد وهي نائمة ، ثم اختفت تحت الأغطية وكأنها تحاول الهرب من أفكارها، فهي بعد أن تذكرت ذاك اليوم بالمكتبة، استعادت نظرات ذلك الشاب إليها يومها، لا تدري لم تصر نظراته تلك على غزو أفكارها دون استئذان، ثم همهمت مجيبة نفسها: كل ما هنالك أن طريقة نظره إلي كانت جريئة و غريبة، لهذا علقت بذهني.
و حاولت إقناع نفسها بهذا الجواب وهي تستطرد: نعم هذا كل ما في الموضوع..
***********
وصل كل المدعوون تقريبا لمنزل سلمى، التي أصرت أن يقام حفل زفافها بمنزلها، وليس بقاعة أفراح كما هو شائع.رغبة منها في أن يكون هذا المنزل، وهذا الحي، آخر ما تقع عليه عينيها قبل أن تتوجه للمطار، و تترك خلفها كل الأماكن التي شهدت أجمل ذكرياتها .
سلمى انتهت من تجهيز نفسها، وجلست بغرفتها في انتظار نزولها للحفل، كانت تبدو بفستانها الأبيض الطويل في قمة التألق و الجمال، ورغم الدموع التي كانت تلمع بعينيها للحظات، فسعادتها بهذا اليوم لم تخف على أحد.
كانت والدتها تتأملها بحنان ونظراتها حائرة، لم تقرر بعد هل هي سعيدة لسعادة ابنتها، أم حزينة لفراقها..
أما أمل الجالسة بجانبها، فقد انسابت دمعة على خدها رغما عنها، وهي ترى صديقة عمرها تحقق حلمها الوردي، الذي لطالما ظلت تحدثها عنه، أن ترتدي فستانا أبيضا وتزف للرجل الذي اختاره قلبها..
ابتسمت سلمى لصديقتها و اقتربت معانقة إياها وهي تهمس بأذنها بمرح: أرجوك يا أمل، لا أريد أن أرى دموعا، وإلا سأستسلم أنا أيضا للبكاء، وأفسد كل العمل الشاق الذي قامت به المزينة لتجعلني جميلة هكذا !!
ثم ابتعدت عندما لمحت الابتسامة على وجه أمل والتفتت لوالدتها وهي تقول: أين سامي يا أمي؟
ردت والدتها : انه بالأسفل يستقبل الضيوف مع والدك ووالد أمل، هل تريدينه؟
هزت سلمى رأسها قائلة: أجل، إذا كنت ستنزلين الآن اطلبي منه أن يصعد إلي..
اتجهت والدتها للباب وهي تقول: حسنا، سأخبره..
وقبل أن تخرج قالت سلمى: ولتأخذي أمل معك لو سمحت يا أمي، فانا أريد سامي بحديث خاص..
عقدت أمل حاجبيها وهي تقول باستنكار: تطردينني! وما هذا الحديث الخاص.. هل هناك أسرار تخفينها عني؟؟
قبل أن ترد سلمى اتجهت أمل خارجة من الغرفة وهي تمثل الغضب: لا تقولي شيئا، أنا غاضبة منك الآن..
وابتعدت مع أم سامي، ثم تبادلتا ابتسامة، حين سمعتا سلمى تصرخ من داخل الغرفة: أمل، أقسم أني لم أقصد إغضابك، ارجعي..
التف بعض المدعوون حول أم سامي فور نزولها، مهنئين ومباركين لها زواج ابنتها، وحين وجدت أنها ستنشغل معهم، طلبت من أمل أن تبحث عن سامي لتخبره أن سلمى تطلبه.
رغم عدم رغبة أمل الاحتكاك بسامي أو الاقتراب منه، إلا أنها اتجهت نحوه مستسلمة، بعد أن لمحته واقفا مع والدها، اقتربت منه بهدوء ثم قالت وهي تتأمله باهتمام، فأناقته اليوم زادته وسامة على وسامته:
- سامي، سلمى تطلبك..
كان سامي منشغلا بالحديث مع والد أمل لذا لم يلحظها حين اقتربت ، لكن حين تحدثت وانتبه إليها،انعقد لسانه، قد صدمه جمال هذه الفتاة الملائكية الواقفة أمامه، كانت أمل ترتدي فستانا زهري اللون، ناعما، زاد من نعومتها المعهودة، وخصلات من شعرها الكستنائي الطويل تتراقص بحرية حول وجهها الناصع البياض، كأنه القمر ليلة تمامه. ودون أن ينتبه لنفسه وجد نفسه يقول و الدهشة واضحة على كلماته: هل قرر القمر اليوم أن يتواضع و وينزل من مكانه العالي بالسماء ليشاركنا هذا الحفل؟
أمل لم تنتبه للإعجاب بنظراته و لم تفهم ما يقصد من كلامه ، ظنت أنه يسخر منها كعادته لذا قالت بضيق شديد وهي ترفع فستانها الطويل قليلا، مبتعدة بسرعة من أمامه: قد سئمت منك !!
لكن والد أمل فهم ما لم تفهمه هي، فهم نظرات الإعجاب بعيون سامي وفهم ما قصده، وربما هذه هي أول مرة بالنسبة إليه يلحظ فيها إعجاب سامي بابنته، فقال بابتسامة متوترة قليلا: أتتغزل بابنتي أمامي؟
انتبه سامي أخيرا للكلمات التي نطق بها منذ قليل ورد على والد أمل بارتباك: اعذرني.. ابنتك بالفعل كالقمر، آسف يا عمي لم أستطع امساك لساني !!
ثم ابتعد متجها لغرفة سلمى وهو لا يزال يتابع أمل بعينيه، كانت تنتقل كالفراشة من ركن لركن، وهي تسلم على هذا و تبتسم مجاملة لهذا، فقال لنفسه بحزن: إذا فهمت أنتَ ما كنت أقصد من كلماتي.. لماذا أمل لم تفهمها للآن !!
حين دخل سامي لغرفة أخته، وجدها تتمعن نفسها بالمرآة، و كان يبدو أن أفكارها انتقلت لمكان آخر، فاقترب منها بهدوء ووضع يديه على كتفيها وهو ينظر إليها من خلال المرآة:
- فيما تفكر عروسنا ؟
بادلته سلمى نفس الابتسامة واستدارة لتواجهه قائلة: - بأشياء كثيرة..
أمسك سامي بكرسي، و جلس عليه ثم قال بمرح: طبعا أشياء كثيرة، من المؤكد أنك تفكرين بمستقبلك مع أحمد. عليك أن لا تقلقي.. أحمد إنسان طيب القلب ، ستكون حياتك معه سعيدة.. أنا واثق.
تنهدت سلمى بعمق ثم قالت: وماذا لو قلت لك أني لست قلقة لهذا السبب، أنا مطمئنة من هذه الناحية، سبب قلقي شيء آخر..
نظر إليها سامي بطريقة تحثها على إكمال ما تود قوله فاستطردت: أنا قلقة على أمل..
رفع سامي حاجبيه بدهشة قائلا: لم تقلقين على أمل..ما بها؟
ردت سلمى بتوتر: لا شيء، لا أدري ما سبب قلقي عليها أساسا..
ثم نظرت برجاء لأخيها وهي تكمل: سامي، أرجوك انتبه إليها، اعلم أنها تمثل الكثير بالنسبة إليك..
قال سامي وهو يستغرب سبب هذا الكلام: هل توصينني على أمل يا سلمى !؟
ثم أنزل عينيه للأرض وهو يتذكر موقفه مع أمل منذ قليل و أكمل بهدوء: حتى أنت تعلمين مكانتها عندي ، وأغلب الظن أن الكل يعلم، إلا هي.. لا أدري متى ستفهمني !
شعرت سلمى بالألم الذي تحمله كلماته و الذي يحاول أن يخفيه بهدوئه فقالت بعطف : سامي، ألا ترى أن هذا خطأك، انت لم تصارحها يوما، بالعكس دائما ما تحاول مضايقتها و استفزازها، وهذه ليست أفضل طريقة تظهر بها حبك لها كما تعلم..
شدت انتباه سامي كلمتين –حبك لها- نعم هو يحبها، بل يعشقها.. و بجنون، لم يسبق له أن اعترف بهذا، حتى بينه و بين نفسه، دائما ما كان يحاول إخفاء هذه المشاعر التي لا يدري متى ولدت، ولا إلى أين ستوصله..
لكنه لم يحاول الإنكار هذه المرة، و قال وملامحه يعلوها حزن و ألم لم يستطع إخفاءهما: أنا أحس أحيانا أنها تكرهني، كيف لي أن أخبرها أني..
ولم يكمل جملته..
اقتربت سلمى منه وأحاطته بذراعها وهي تقول: وكأنك لا تعرف أمل ! نحن أعلم الناس أن قلبها لا يعرف للكره طريق، هي تعزك وتقدرك يا سامي، بالله عليك قد كبرنا سويا، ضحكنا سويا، وبكينا سويا، أنت من يجعلها بتصرفاتك تنفر منك أحيانا..
نظر سامي لأخته نظرات متسائلة وهو يقول: هل أخبرها إذا؟
حركت سلمى رأسها علامة النفي ثم قالت: لا، لو أردت رأيي غَِير من طريقة تعاملك معها أولا، اجعلها تشعر باهتمامك بها.. اجعلها تقع بحبك كما أنت واقع بحبها، وبعدها سيصبح إخبارها أمرا سهلا..
أمسك سامي بيد أخته وقبلها وهو يقول بامتنان: لو تدرين كم أرحتني يا سلمى..ليتني حدثتك بهذا الموضوع منذ زمن فقد أتعبني التفكير.. كنت قد قطعت أملي في أن تحس بي يوما..
ابتسمت سلمى ثم قالت بمرح: لا تفقد الأمل أبدا !! خصوصا للحصول على قلب أمل ! قد كنت أحاول أن أحدثك بهذا الموضوع، لكنك لم تكن تمنحني الفرصة، فقررت أني لن أسافر إلا بعد أن أجعلك تغير من تصرفاتك حتى تصل لما تتمنى..
عاد سامي يقبل يد أخته ثم عانقها وهو يقول: شكرا لك يا سلمى..
في هذه اللحظة دخلت أمل الغرفة و حين رأت سامي قالت بضيق: ألازلت أنت هنا..
نظر إليها كل من سلمى و سامي بنظرات لم تفهم مغزاها فقالت ضاحكة: يبدو أني قطعت عليكما فيض المشاعر الأخوية..
ضحكت سلمى ثم قالت : هل أستعد للنزول أم ماذا؟
ردت أمل وهي تحاول تجاهل سامي الذي لم يبعد عينيه عنها: نعم ستنزلين الآن.. لهذا جئت إليك.
************
مر حفل الزفاف في أحسن الظروف، السعادة كانت تبدو على الجميع هذا اليوم، خصوصا على العروسين احمد و سلمى، وحتى أمل تناست خلال هذه الساعات ضيقها الدائم من سامي، سعادتها من أجل صديقتها جعلتها تحاول أن يكون هذا اليوم من أجمل الأيام التي عدت عليهم، فتعمدت أن تبادله أطراف الحديث أمام سلمى، كي لا تشعر هذه الأخيرة بما ينغص عليها فرحتها، ولا تشغلها بمشاكلها معه.
وحين وصلت السيارة التي ستقل العروسين للمطار، خرج الجميع من المنزل كي يودعهما، ودعهم أحمد و سبق سلمى للسيارة، كانت لحظة الفراق صعبة على والد ووالدة سلمى، هذه الأخيرة لم تستطع منع دموعها ، فتركتها تبلل وجهها الذي لم يخل من ملامح السعادة من أجل ابنتها. سلمى حين رأت وجه والدتها الغارق بدموعه، عانقتها عناقا طويلا، ولم تتركها إلا حين حملها سامي على ذلك، وفتح باب السيارة أمامها وهو يقول: هيا يا سلمى، ستتأخران على رحلتكما..
عانقته سلمى هو الآخر بسرعة وهي تقول وسط دموعها: أين أمل ؟
رد سامي وهو يبحث عن أمل بين المتواجدين: لا أعلم ..اختفت منذ قليل !
ركبت سلمى السيارة و أخرجت رأسها من النافذة وهي تقول بحزن: قد أخبرتني أنها لن تحتمل أن تقول لي وداعا، لم أفكر أنها لن تودعني هذه السخيفة، أرجوك يا سامي أخبرها أن سلمى لا تقول لك وداعا بل إلى اللقاء..
هز سامي رأسه وهو يقول : سأخبرها..
وانطلقت السيارة مبتعدة وعيون الجميع متعلقة بها، عيون أمل أيضا كانت تتابعها إلى أن اختفت، ظلت تراقب ما يحصل من نافذة غرفة سلمى،كانت تجهش بالبكاء، و هي لا تحب أن يراها أحد وهي على هذه الحال، ولم تكن تود أن تراها سلمى بالذات على هذه الحال، لن يكون آخر منظر تراها فيه.. هو منظرها وهي محطمة بسبب فراقها.
أغلقت أمل النافذة، و اتجهت للمكتب بخطوات متثاقلة، ثم التقطت صورة سلمى الموضوعة عليه واحتضنتها بقوة و ودموعها لا تكف عن الانهمار..
كان المدعوون قد تفرقوا، وذهب كل لحال سبيله، وعاد الهدوء للمنزل، وفي ركن من أركانه، جلس والد أمل ووالد سامي، وكان هذا الأخير يسأله باهتمام: هل أنت متأكد مما رأيت؟
رد والد أمل بثقة: أجل متأكد.. سامي يحب أمل، كنت أظنه يعتبرها كأخت له، لكن فاجئني اليوم..
خيم صمت ثقيل للحظات على الاثنين، قطعه والد أمل قائلا بحزم شديد:
- عليك أن تحدثه، أقنعه أن يبتعد عن أمل، فما يريده مستحيل الحدوث !!
*********
الجزء الثالث :
- 3-
ما سر هذا الغموض !؟
***********
طال انتظار أمل لسيارة أجرة، كانت واقفة تحت ظل شجرة بالقرب من باب منزلها، فقد كان يوما حارا جدا، يجعل أي شخص يفضل البقاء بمنزله على أن يتعرض لأشعة الشمس الحارقة.
لكن اليوم هو السبت، أي اليوم الذي تخصصه أمل كل أسبوع لزيارة المكتبة، وطبعا لم يمنعها الحر الشديد من الذهاب، خصوصا و أنها تخلفت لمدة طويلة عن زيارتها بسبب انشغالها مع سلمى.
كانت تنظر للسيارات و هي تمر مسرعة من أمامها بملل،و فجأة وجدت سيارة تتوقف أمامها، وأخرج شاب رأسه من النافذة وهو يقول: ستتعرضين لضربة شمس..إلى أين أنت ذاهبة؟
ردت أمل بهدوء: هل ستوصلني إذا علمت إلى أين سأذهب؟
عقد الشاب حاجبيه كأنه يفكر ثم قال بسرعة: أجل سأوصلك.
ثم فتح باب السيارة أمامها و أضاف: اصعدي..
صعدت أمل السيارة، والتزمت الصمت، إلى أن سألها الشاب: إلى أين ؟
ردت أمل دون أن تلتفت إليه: المكتبة..
هم أن يقول شيئا لكنه عدل عن ذلك فنظرت إليه أمل وقالت: قل ما بجعبتك يا سامي، من المؤكد أنه تعليق ساخر ككل تعليقاتك..
ابتسم سامي وهو يقول: أنت تسيئين الظن بي دائما ..كنت سأقول فقط أنك شغوفة بالكتب لدرجة كبيرة، هل هناك شيء تحبينه أكثر من الكتب !
ردت أمل بهدوء: أجل هناك، أمي و أبي وكل المقربون إلي..
قال سامي وهو يتوقف بالسيارة أمام إشارة حمراء: وهل أنا منهم؟
والتفت لأمل في انتظار جواب منها، إلا أنها كانت تنظر للجهة الأخرى، و كأنها لم تسمع سؤاله، فقال بضيق: أمل..أنظري إلي فأنا أحدثك..هل أنا منهم؟
نظرت إليه أمل، فوقعت عينيها بعينيه، و لمحت بهما شيء لم تره من قبل، كانت نظراته تحمل معاني كثيرة،لم تستطع أمل فهمها، أربكتها هذه النظرات وجعلت دقات قلبها تتسارع، فأشاحت بوجهها بسرعة، وقالت محاولة عدم إظهار ارتباكها : من المؤكد أنك منهم..
تنهد سامي بارتياح، وانطلق بالسيارة بعد أن سمع أبواق السيارات خلفه تحثه على الابتعاد عن الطريق، فهو لم ينتبه للإشارة التي تحولت لخضراء..
- لا أدري لم كنت أحس أحيانا أنك..أنك تكرهينني..
قالها سامي بعد تردد.
رفعت أمل حاجبيها وقالت بدهشة: أنا أكرهك يا سامي ! أجننت؟ أنت بمثابة الأخ لي، كيف للأخت أن تكره أخاها !
شعر سامي بخيبة أمل كبيرة بعد عبارة أمل هذه ، بمثابة الأخ يا أمل ؟أخ !!
أمل وجدتها فرصة لتصارحه بما يدور بخلدها فقالت: كل ما في الأمر يا سامي، أني كل مرة أراك فيها تجعلني بتصرفاتك أود أن أتحاشاك طول العمر..
اعتصرت هذه الكلمات قلب سامي وكان يود أن يطلب منها التوقف عن الكلام.
إلا أنها أضافت بسرعة : صحيح أني أغضب منك ، لكن بعد أن أخلو بنفسي و اهدأ، أفكر بأنك لا تقصد ما تقوله، إن لكَ قلبا طيبا لا يعرفه أحد مثل ما أعرفه أنا، المشكلة تكمن في شخصيتك التي تحب استفزاز من أمامها، خصوصا لو كان من أمامها..
ثم ابتسمت و أشارت لنفسها قبل أن تكمل: لكن أقسم لك أنك عزيز علي حتى بتصرفاتك المستفزة و الصبيانية..
قال سامي وقد حملت ملامحه إصرارا لم تعهده أمل به: وأنا أقسم لك أنا تصرفات سامي معك ستتغير..
ورمقها بنظرة سريعة قبل أن يعيد تركيزه على الطريق أمامه و يضيف: و سيصبح أكثر من أخ..أعدك.
شعرت أمل بغموض في كلمات سامي، هو منذ مدة أصبح غامضا بالنسبة إليها، لكنها لم تحاول استفساره عما يقصد وقالت مديرة دفة الحديث : أرجو أن لا أكون قد أخرتك عن موعد ما..
حرك سامي رأسه نفيا وقال كاذبا: لا أبدا، سأمر على صديق لي، الطريق إلى منزله هو نفس طريق المكتبة..
سكت الاثنين لثوان قبل أن يضيف سامي: إذا أردتِ بإمكاني المرور بالمكتبة عند رجوعي ..سأوفر عليك انتظار سيارة أجرة..
ابتسمت أمل وهي تقول : لا أريد أن أتعبك معي..لكن مادمت ستمر من نفس الطريق، فستوفر علي فعلا الانتظار في هذا الحر..
بادلها سامي الابتسامة قائلا: ليس هناك أي تعب..حتى لو لم يكن الطريق هو نفسه.. يسعدني أن أخدمك بأي شيء يا أمل..
نظرت أمل اليه باستغراب وهي تقول: لم أظن أنك ستغير طريقتك المستفزة في الحديث معي وتصبح خدوما بهذه السرعة !
ضحك سامي ورد : من اليوم.. فتحنا أنا و أنت صفحة جديدة، وسامي القديم و المستفز عليك نسيانه..
اتفقنا؟
ابتسمت أمل ثم قالت بمرح : سأحاول..لكني لا أعدك بشيء..
ضحك سامي على ردها ثم قال: من الواضح أنك أنت التي لن تتغير أبدا..
ثم صمت قليلا قبل أن يضيف: هل اتصلت بك سلمى اليوم؟
ابتسمت أمل وهي ترد : لا، لكني حدثتها أمس على الماسنجر ، ربما لساعة أو أكثر..
قال سامي بخبث: شيئا فشيئا، ستقل اتصالاتها، وستنشغل عنك تماما..
نظرت أمل إليه نظرات استنكار وعدم تصديق لما يقول..
فضحك ثم قال : حسنا لا تصدقيني.. لكنها أختي و أنا أعرفها.
قالت أمل بكل ثقة: وصديقة عمري و أنا أعرفها !! ما تقوله لن يحدث..
ثم أخذ الاثنان يتبادلان أخبار سلمى، و يتذكران كل ما مر عليهم من أحداث معا. سامي كان قد باشر فورا في تنفيذ قسمه..فهما لم يحظيا بمثل هذا الحديث الهادئ والخالي من المشادات الكلامية منذ مدة لا يتذكر أمدها أحد.
***********
دخل والد أمل المنزل، وكان يبدو عليه التعب الشديد و الإرهاق، من الواضح أنه لم يؤخذ حاجته من النوم لأيام، صعد الدرج و قبل أن يدلف لغرفته مر بغرفة أمل و طرق الباب، وعندما لم يأته رد، فتحه فوجد الغرفة خالية، أعاد غلق الباب ثم دخل غرفته، رأى والدة أمل واقفة بالشرفة، وعلى وجهها علامات التفكير العميق، كانت عيونها محاطة بهالات سوداء، وكأنها هي الأخرى لم تحظ بنوم هانئ منذ مدة..توجه والد أمل نحوها ووضع يده على كتفها وهو يقول : ألازلت تفكرين بما أخبرتك به؟
تنهدت ثم تطلعت إليه قائلة: كيف لي أن لا أفكر..لا أدري ما الحل، علينا أن نجد حلا و بسرعة..
رد والد أمل وهو يحاول أن يجعل كلماته واثقة حتى يطمئنها: لا تقلقي، كما أخبرتك طلبت من والد سلمى أن يتحدث معه و أن يطلب منه الابتعاد عن أمل ..
ثم صمت قليلا قبل أن يردف: بالإضافة إلى أن ما رأيته، أكد لي بأن تلك المشاعر هي من طرف سامي فقط، أمل تعتبره كأخ لها لا أكثر ولا أقل..
عادت أم أمل تتنهد ثم قالت: أتمنى أن تكون على حق.
ثم اتسعت عيناها برعب و أضافت: لكن ماذا لو غيرت أمل رأيها به..
أحاطها والد أمل بذراعيه ووضع رأسها على صدره وهو يقول هامسا في محاولة لتهدءتها: اطمئني لن يحدث هذا أبدا..سنعمل على أن لا يحدث هذا..و لو اقتضى الأمر أن نبعدها عن سامي للأبد !
*********
وجدت أمل بصعوبة طاولة بمقعدين فارغين، فساحة المكتبة اليوم مكتظة بالزوار، جلست على أحد المقاعد و وضعت حقيبتها على الثاني قبالتها، ثم وضعت كل الكتب التي انتقتها اليوم فوق الطاولة، و انهمكت في قراءة فهرس كل كتاب.
وفي الطرف الآخر للساحة كان هناك شاب واقف برفقة فتاة، كانت هذه الأخيرة تحدثه وهي تتمايل بدلال، لكن تركيز الشاب كان منصبا على أمل، كان يرمقها بكل اهتمام، انتبهت الفتاة إلى أنه لا يستمع لما تقوله و أنه ينظر باهتمام لشيء ما، فالتفتت تبحث عن ما يشغله عنها، وعندما وقعت عينييها على أمل استدارت بغضب و هي تلوح بيدها أمام وجهه قائلة :
- دعك من هذه الفتاة الآن، قد بدأ صبري ينفذ يا خالد..
لم يبعد خالد عينيه عن أمل و قال وهو يزيح تلك الفتاة عن طريقه: انتظريني..سأعود
ثم اتجه نحو الطاولة التي تجلس عليها أمل، ولم يرد على نداء تلك الفتاة الغاضب والمستمر له..
اقترب خالد من أمل و ظل يتأملها للحظة، قبل أن يقول بصوت هادئ: هل تسمحين؟
رفعت أمل عينيها عن الكتاب، وتجمدت في مكانها ،كان نفس الشاب الذي استغربت نظراته إليها في آخر مرة زارت بها المكتبة. لكنها حاولت أن تقلد هدوءه قائلة: أسمح بماذا؟
أشار خالد للمقعد الذي وضعت أمل حقيبتها عليه ثم قال: كما ترين لا يوجد أماكن شاغرة..
التقطت أمل حقيبتها بسرعة ووضعتها بجانبها، ثم عاد تركيزها للكتاب بين يديها..
جلس خالد على المقعد ووضع بعض الكتب هو الآخر على الطاولة، ونظر لغلاف الكتاب الذي تقرأه أمل، ثم قال بصوته الهادئ: هل تقرئين لهذا الكاتب كثيرا؟
رفعت أمل عينيها ثم أعادتها سريعا لصفحات الكتاب وهي تقول ببرود : أجل.
عدل خالد من جلسته وفتح هو الآخر كتابا و كأنه سيقرئه، إلا أنه كان ينظر لأمل.
شعرت أمل بنظراته فرفعت عينيها متسائلة: هل من شيء؟
قال خالد بهدوء وهو يغلق الكتاب و يقدمه لأمل : هل سبق و قرأت هذا؟ انه لنفس الكاتب..
أخذت أمل تنظر للكتاب باهتمام، لكن قبل أن ترد، توقفت فتاة أمام خالد وقالت بغضب واضح :
هل لنا أن نذهب الآن؟
نظر خالد للفتاة ببرود ثم رد : ليس الآن يا مروى، أنا مشغول..
ظهرت الصدمة على وجه مروى لرده، وهمت أن تقول شيئا، لولا أن أمل اعتدلت واقفة و جمعت كتبها، ثم ابتعدت دون أن تنطق بكلمة. كانت تحس بانزعاج كبير، فلم تطق الجلوس أكثر أمام هذين الاثنين..
قام خالد واقفا هو الآخر و أمسك ذراع مروى بقوة، ثم قال وهو يضغط على أسنانه محاولا عدم رفع صوته: قد أخبرتك أن تنتظري بمكانك..
ثم دفعها بعيدا عنه، وعاد يجلس بالمقعد وفتح كتابه بهدوء عجيب، وكأنه لم يكن غاضبا منذ ثانية..
اقتربت مروى منه وقالت وهي تهم بالجلوس : لا تغضب هكذا ، ستجد فرصة أخرى للحديث معها.. أنا آسفة..
رد خالد دون أن ينظر إليها : أريد أن أجلس وحدي الآن..
عقدت مروى حاجبيها بغضب و ابتعدت عنه صاغرة..
وبمجرد ابتعادها أخذ خالد يتأمل المقعد التي كانت أمل جالسة عليه، فلمح شيئا فوقه، قام واقفا و اتجه نحوه ثم التقطه، كان بطاقة اشتراك بالمكتبة، فابتسم ابتسامة جانبية وهو يرى صورة صاحبة البطاقة، ثم قال و الابتسامة لم تفارق شفتيه : أمل محمود..يبدو أن القدر منحني فرصتي الثانية سريعا..و على طبق من ذهب..
*************
جلست أمل تشاهد التلفاز، كانت تتابع الأخبار على إحدى المحطات، تحس بالقهر كلما استمعت إلى أعداد الأبرياء التي تقتل كل يوم في بلدان كثيرة،و أثار حنقها أن المذيعة الفاتنة والمرحة تقدم نشرة الأخبار هذه، المليئة بإحصائيات الانفجارات و القتلى، وعلى شفتيها ابتسامة واسعة ! لو لم ينتبه الشخص لما تقول قد يعتقد أنها تقوم بالدعاية لمنتوج ما، أو تقدم على الأقل اخبارا ممتعة جدا !!
غيرت أمل المحطة وهي تتمتم: لا عجب أن الناس لم يعودوا يتأثرون بموت الأبرياء، مادامت حتى أخبارهم يعلن عنها بهذه الطريقة..
بمجرد أن أنهت عبارتها وجدت أمل والدتها تقترب و تجلس بجانبها وهي تقول :
- لم تتأخري اليوم بالمكتبة..
مطت أمل شفتيها و هي تتذكر ما حدث مع ذلك الشاب الغريب، تذكرت ارتباكها الشديد الذي حاولت أن تخفيه بقناع البرود، لقد تعمد الجلوس على نفس طاولتها، ما الذي يريده منها يا ترى !
حركت رأسها وكأنها تحاول طرد هذه الأفكار، لا تريد أن تشغل تفكيرها به، ثم ردت: قد كانت مكتظة جدا..ففضلت الرجوع باكرا..
و أخذت تتأمل والدتها ثم قالت ونبرة صوتها يعلوها القلق: أمي ما بك..تبدين مرهقة..هل أنت مريضة؟
حركت أم أمل رأسها نفيا ثم قالت : لا..لست مريضة..كل ما في الأمر أني أعاني من الأرق هذه الأيام..
ظلت أمل تتطلع إليها بنظرات قلقة..فابتسمت والدتها وهي تقول مطمئنة إياها : لا تقلقي يا أمل..أنا بخير..
ثم أضافت: قد رأيتك تركبين السيارة مع سامي اليوم..
ردت أمل وقد عادت تغير المحطات على التلفاز: أجل..لم أجد سيارة أجرة..فقام بإيصالي للمكتبة..
هزت أم أمل رأسها بتفهم ثم قالت : استغربت فقط..فأنا أعلم أنك تتحاشينه دائما..
ابتسمت أمل و هي ترد: لست أتحاشاه يا أمي..كيف للإنسان أن يتحاشى قدره..
صدمت أم أمل من كلمة ابنتها الأخيرة، وكاد قلبها يتوقف عن الخفقان، هذا ما كانت تخشاه !
إلا أن أمل أضافت: انه بمثابة الأخ لي يا أمي، تجمعنا أشياء كثيرة به وبعائلته..فطبعا لست أتحاشى أخي ..حتى لو حاولت لن أستطيع !
تنهدت أم أمل بارتياح ثم قالت: أرحتني يا ابنتي..
ضحكت أمل ثم قالت وهي تمثل الحزن:أنت أيضا يا أمي ظننتني أكرهه !؟.. أنتم تظلمونني جميعا.. لست أحمل لسامي بقلبي غير كل الخير، حتى حين يتعمد مضايقتي أسامحه بسرعة..أنا وسامي وسلمى أخوة يا أمي ..فأبعدوا عن ذهنكم هذه الأفكار..
زاد ارتياح أم أمل و قالت بابتسامة واسعة: أنا أتمنى لكم الخير جميعا..
اقتربت أمل من والدتها وأمسكت بيدها ثم قبلتها وهي تقول: حفظك الله لي يا أمي..
ربتت والدتها بحنان على رأسها وهي تحمد الله، على الأقل أمل تعتبر سامي فعلا كأخ، لربما هذا سيجعله يغير طريقة تفكيره بها و يعدل عن ما يدور بذهنه.
********
بباريس، عاصمة الأناقة و الجمال كما يحب أن يسميها الفرنسيون، بدأ زوج حياتهما المشتركة منذ أيام، سلمى للآن لا تستطيع التصديق بأنها متزوجة من أحمد، تحس و كأنه حلم، ستصحو منه عاجلا أم آجلا..
كانت جالسة بحديقة المنزل، و نسيم الصباح العليل يداعب خصلات شعرها، عينيها مغمضتين، من يراها قد يعتقد أنها استسلمت للنوم، أحمد الذي كان يقترب منها ظن ذلك، لولا أنه سمعها تتمتم بصوت خافت: يا رب.. لو كان هذا حلما..فلا أريد أن أصحو منه.
ابتسم أحمد وجلس بجانبها ثم همس بأذنيها : هذا ليس حلما يا ملاكي، افتحي عينيك و أنت مطمئنة..
ابتسمت سلمى قبل أن تفتح عينيها وتنظر إليه ولم تنطق بأية كلمة، بل ظلت تتفرس ملامح وجهه، عيونها كانت تنطق بكلام كثير..كلام أحمد هو الوحيد القادر على فهمه..
قفز أحمد من مكانه بغتة وجلس على الأرض أمامها وهو يقول بطريقة مسرحية: أرجوك..أرجوك..ارحميني من هذه النظرات، إنها أسهم تخترق قلبي المسكين..
ضحكت سلمى على حركته هذه وهي تقول: لم أكن أعلم أنك ممثل بارع !!
رد عليها أحمد وهو يعود للجلوس بجانبها : أبدا، لست أمثل أنا أقول الصدق !
ثم أمسك بيدها وهو يكمل: أعتذر لأني سأضطر للذهاب للعمل الآن، كنت أود البقاء معك أكثر..
قالت سلمى برجاء: فلتؤجل عملك للغد، لم نقض معا سوى بضعة أيام وها أنت ستعود لعملك !
رد أحمد بابتسامة عريضة: يا عزيزتي تعرفين أن إجازتي قد انتهت، ويجب علي الذهاب اليوم..
ردت سلمى بحزن:حسنا..
أمسك أحمد بذقنها وقرب وجهها منه قليلا وهو يقول: لا أريد أن أرى بعينيك هذا الحزن، عندما أعود سنخرج سويا موافقة؟
عادت الابتسامة لوجه سلمى وهزت رأسها موافقة كطفلة صغيرة..
طبع أحمد قبلة على جبينها ثم قام واقفا واتجه نحو باب المنزل الرئيسي و قبل أن يخرج استدار باتجاهها ولوح بيده لها مودعا، وهو يحرك شفتيه بما معناه: أحبك..
نهضت سلمى من مكانها و دلفت لداخل المنزل، وهي تتساءل عما ستفعله لحين عودة أحمد، جلست على الأريكة بملل ووقعت عيونها على الهاتف فرفعته وهي تقول مبتسمة: سأتصل بأمل..
لكنها أعادت الهاتف لمكانه ونظرت للساعة بيدها و هي تتمتم: لكنها التاسعة الآن، بالإضافة لفارق التوقيت..لا زال الوقت مبكرا جدا عند أمل..
ثم ابتسمت بخبث و رفعت الهاتف ثانية وهي تقول: قد ارتاحت من إزعاجي بما يكفي..من المؤكد أنها اشتاقت له..
أخذت سلمى تنتظر ردا لمدة ليست بالقصيرة، إلى أن جاءها صوت أمل الناعس وهي تقول بخفوت : آلو ..من؟
وضعت سلمى يدها على فمها كي تمنع نفسها من الضحك وهي تقول : صباح الخير يا أمل..هل اشتقت إلي؟
********
بعد أن اغتسلت،نزلت أمل للمطبخ وحضرت لنفسها كوب قهوة لينشطها قليلا..ورجعت لغرفتها ثم فتحت حاسوبها الشخصي وهي لا زالت غاضبة من سلمى، كيف تجعلها تصحو في هذه الساعة المبكرة. ولماذا؟ لتحدثها على الماسنجر !!
تمتمت وهي تشغل البرنامج : أنا الغبية التي استمعت لما تقول، كان علي أن أقطع الاتصال فور أن سمعت صوتها !
لم تكد تنهي عبارتها حتى وجدت كلمات سلمى أمامها:
سلمى: ما كل هذا التأخير !
زفرت أمل بحدة و هي تكتب: أنت مزعجة.. كنت أعلم أني لن أرتاح منك حتى ولو سافرتي لأبعد بقاع الأرض !
سلمى: حسنا..بإمكانك الخروج إن أردت..
أمل: بعد أن قمتي بحرماني من نومي الهانئ تقولين لي.. أخرجي إن أردت !
سلمى: أعلم أنك لن تفعليها.. لأنك اشتقت إلي ..
أخيرا اختفت ملامح الغضب من وجه أمل و ابتسمت قبل أن تكتب: أبدا لم أشتق إليك..
سلمى: وأنا أيضا لم أشتق إليك !
ضحكت أمل ثم كتبت: أطلعيني الآن عن آخر أخبارك مع أحمد، وابعثي لي صوركما التي تحدثني عنها على الهاتف..
سلمى: سأبعثها الآن..انتهت إجازة أحمد وعاد للعمل.
أمل: بهذه السرعة !
سلمى: أجل.. للأسف. وأنت ما آخر أخبارك؟
أمل: لا شيء..أشعر بالملل و أود أن تبدأ الدراسة سريعا !!
سلمى: و سامي أترينه كثيرا؟
ابتسمت أمل، ظنت أن سلمى تريد الاطمئنان عليها، فقد تركتها وحدها فريسة سهلة لمضايقات سامي.
أمل: أراه كثيرا..عند زياراتي لوالدتك.
سلمى: وكيف حاله معك؟
أمل : أحسن من قبل بكثير، هل تصدقين.. أصبح بمقدوري أن أحظى بمحادثات هادئة معه دون أية مشاكل !
سلمى: ممتاز !!
أبعدت أمل أصابعها عن لوحة المفاتيح للحظة، ثم عادت تكتب: سلمى، أريد أن أسألك عن شيء..
سلمى: تفضلي طبعا !
ترددت أمل قليلا قبل أن تكتب : قد أخبرتني بأنك أحببتي أحمد منذ أول مرة رأيته فيها..
سلمى: صحيح..
كتبت أمل بسرعة قبل أن تعدل عن رأيها ولا تسأل سلمى: ما كان شعورك بالضبط لحظتها..
سلمى: قد حدثتك عن هذا أكثر من مرة !
أمل: لا بأس..أخبريني مرة أخرى لن تخسري شيئا..
سلمى: حسنا.. تعلمين انه طلب يدي لمجرد أنه على معرفة بوالدي، و أني كنت رافضة لهذا الموضوع، لكن والدي من أصر علي أن أراه قبل أن أقرر، كان يأمل أن أغير رأيي وهذا ما حصل فعلا..وافقت على لقاءه، وكان هذا فقط كي أرضي والدي.. مع إني كنت مقررة الرفض، مهما كان ما سيحدث في هذا اللقاء..
أمل : أكملي..
سلمى: لا أدري ما حدث حين رأيته..لكن شيئا بداخلي اهتز..لن أستطيع أن أصف لك بالضبط..
أمل : حاولي !
سلمى: سأحاول..أتعرفين.. كأن هناك يدا انتزعت قلبي ثم أعادته لمكانه..قواي خارت بمجرد أن تلاقت عيوني بعيونه..شعور غريب بالسلام و الاستسلام معا..وهو شعر بنفس الشيء أيضا ..شعور غريب.. لا أدري كيف أصف فعلا !
توقفت عيون أمل على كلمات سلمى و أخذت تقرأها و تعيد قراءتها قبل أن تكتب: يكفي ما قلت..
سلمى: لكن لم تسألين؟
أمل: لا لشيء..مجرد فضول.
سلمى: مجرد فضول.. أم أن هناك أخيرا من حرك مشاعرك؟
انتبهت أمل إلى أنها بأسئلتها أثارت شك صديقتها، لذا كتبت بسرعة:
لا أبدا !! صدقيني مجرد فضول..
سلمى: أصدقك..لكن أتوقع أن تتحرك مشاعرك النائمة هذه قريبا..
ضحكت أمل ثن كتبت: كيف؟ ومن سيحركها يا ترى..تعلمين أني أبعد ما يكون عن قصص الحب ولا أرى الآن أن لها مكانا بحياتي !
سلمى: ربما لست بعيدة عنها كما تظنين، وربما عليك أن تفتحي عينيك جيدا لتري أن لها مكانا بحياتك فعلا..
عقدت أمل حاجبيها بعد أن قرأت كلام سلمى ثم تمتمت: ما بهم جميعا يتحدثون بغموض ..لم أعد أفهم كلام أحد !
ثم كتبت: ماذا تقصدين؟
سلمى: لا شيء محدد..
توقف الاثنان عن الكتابة لدقيقة، و أمل كانت لازالت تتمعن كلمات سلمى، من المؤكد أنها تقصد شيئا !!
عادت سلمى تكتب شيئا ..عقدت أمل حاجبيها وهي تقرأ ..
سلمى: هناك أحيانا أشياء تكون بقربنا، لكننا لا نلاحظها.. لأننا تعودنا عليها، لا نشعر بها.. إلا حين نفقدها وتبتعد عنا..حينها فقط نندم.. ونتمنى لو أنا حافظنا عليها..أرجو أن لا يحدث هذا معك يا أمل !
*************
>>> يــتــبع>>>
-2-
وداعــا صديقتــي..
**********
استيقظت أمل على صوت طرق خفيف على باب غرفتها، فتحت عينيها ببطء، ثم قالت بوهن:
الباب غير مغلق، أدخلي يا أمي..
فُتح الباب، لكنها وجدت سلمى تنقض عليها و ترمي الغطاء الذي كانت تختفي تحته بعيدا، ثم توجهت
للنافذة وفتحتها بقوة، مما جعل أمل تغلق عينيها بألم، من وقع نور الشمس الذي تسلل للغرفة.
وقبل أن تستجمع قوتها لتصرخ في وجه سلمى، بادرتها هذه الأخيرة قائلة:
متى بالله عليك ستغيرين عادتك هذه ؟ألم تعديني أن تستيقظي اليوم باكرا، وتأتي لمنزلي لتساعديني في تجهيز نفسي ! أحمد سيصل على الغداء، ليس عندنا وقت.
استدارت أمل للجانب الآخر من السرير و هي مصرة على إكمال نومها : تقصدين ليس عندك أنتِ
الوقت، لذا اذهبي و دعيني أنام، ولنتحدث عن إهمالي لمواعيدي في وقت آخر.
لكن سلمى أمسكت بذراعها لتحملها على النهوض وهي تصرخ: ليس شأني أنك تريدين النوم، كل ما
أعرفه أنه كان عليك أن تأتي عندي باكرا.لذا انهضي الآن حالا..
نهضت أمل وهي تحاول رفع صوتها أيضا و الصراخ في وجه سلمى:
كنت سآتي عندك باكرا، لو لم تظلي عندي أمس لبعد منتصف الليل، وليس على لسانك غير أحمد، و
حكايات أحمد، وشوقك لأحمد، لا أدري ما هذا الحظ الذي جعل والدي يشتري منزلا ملاصقا لمنزل
مزعجة مثلك.
ضحكت سلمى ورمت بمنشفة في وجه أمل وهي تقول: لا يناسبك الصراخ أبدا، أمل الهادئة دائما لا تصرخ، هيا قومي و اغتسلي، سأنتظرك تحت بالمطبخ، قد شممت رائحة كعك والدتك الشهي..
قامت أمل مسرعة بطريقة مضحكة متجهة للحمام وهي تقول: ماذا ؟حضرت أمي الكعك؟؟
خرجت سلمى من الغرفة دون أن ترد عليها، وقبل أن تغلق الباب أطلت برأسها وابتسمت بخبث ثم قالت: لا، حضرت لي الكعك، لأنني يا عزيزتي لن أترك لكي شيئا، عقابا على إهمالك المستمر لي. وانطلقت مسرعة تنزل الدرج وصوت ضحكاتها يتعالى.
صرخت أمل من الحمام آملة أن تسمعها سلمى:
سلمى، إلا الكعك.. لن أسامحك إذا التهمته كله أيتها الشرهة، أتسمعين لن أسامحك.
ثم ابتسمت رغما عنها وهي تقول: سأفتقدك كثيرا يا سلمى.
**********
نظرت الموظفة بالمطار للشاب الفارع الطول الذي يقف أمامها، ثم عادت تدقق النظر في صورته على جواز السفر، وقالت بهدوء: أنت تسافر كثيرا..
أجابها الشاب بنفس الهدوء : أجل.
التفتت الموظفة الشقراء لشاشة الحاسوب أمامها ثم سألته : أحمد سيف الدين؟
رد أحمد بطريقة آلية :أجل..
رسمت الموظفة ابتسامة عريضة على شفتيها وهي تقول: وما سبب السفر هذه المرة؟
عقد أحمد حجابيه وهو يحس بالملل من أسئلتها الكثيرة: ماذا هناك لم كل هذه الأسئلة؟ أم أنها قاعدة الشك بأصحاب الملامح و الأسماء العربية؟
ضحكت الموظفة ثم قالت وهي تعيد لأحمد أوراقه: لا أبدا، قد فهمتني خطأ، أتمنى لك رحلة سعيدة..
بعد دقائق كان أحمد قد استقر بمقعده بالطائرة، أغلق عينيه مقررا أن يخلد للنوم لعل الوقت يمر بسرعة. بعد ثلاث ساعات على الأكثر سيكون مع سلمى،قد اشتاق إليها كثيرا، بمجرد أن وصلت أفكاره إليها لم يستطع غير فتح محفظته الصغيرة ،ليملأ عينيه من تقاطيع وجهها المبتسم دائما، كما في الصورة تماما، قريبا ستصبح هذه الفتاة المرحة زوجة له، كم ينتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر !
************
تحولت غرفة نوم سلمى إلى معرض للملابس ، فقد قامت بإخراج كل ما في خزانتها وبعثرته فوق السرير وعلى المكتب، حتى أرضية الغرفة امتلأت بقطع الملابس و الأحذية..
لنتحرى الصدق ، سلمى كانت قد قررت ما سترتدي اليوم منذ أسبوع، وقد كان اختيارها قد وقع على فستان أبيض مطرز بورود حمراء، لكنها لم تجد مانعا من عرض كل ما لديها على أمل، لتقرر معها إذا كان هناك ما ينقصها للآن، بالإضافة إلى أنها وجدتها وسيلة جيدة لتخفف من حدة التوتر الذي تشعر به كلما اقترب موعد وصول أحمد.
كانت الفتاتين غارقتين بتنسيق الملابس و اختيار القطع التي تتناسب مع بعضها البعض، و اختيار ما يتماشى مع كل فستان من الحلي و الأحذية، مهمة تحتاج لتركيز شديد طبعا!
لذا لم تنتبها لسامي الذي وجد باب الغرفة مفتوحا، فظل يراقبهما وعينيه تتابعان حركات إحداهما بالذات، لكن حين تيقن أنهما لن تنتبها له ولو ظل واقفا بمكانه لساعات، تنحنح في مكانه ثم قال بصوت عال متعمدا :
- هل تريدان أية مساعدة يا فتيات؟
شهقت سلمى بقوة ووضعت يدها على قلبها وهي تقول :أخفتني.. ستتسبب يوما بموتي، منذ متى و أنت هنا؟
رد سامي كاذبا : وصلت لتوي.. ثم التفت لأمل وغمز لها بعينه وهو يكمل: و أنت ألم أرعبك؟
همت أمل أن تقول شيئا لكنه سبقها قائلا وهو يضرب جبينه بيده و كأنه قد نسي شيئا مهما: يا الهي، كيف لي أن أنسى؟ أمل لا تخاف، لأنها تضع كل أحاسيسها ومشاعرها جانبا، قلبك من حجر يا أمل أليس كذلك؟
ردت أمل وقد أزعجتها كلمات سامي: لا..أنا لا أخاف، لأن تصرفاتك الصبيانية هذه لا تخيف، قد كبرت على هذه التصرفات يا سامي، الله أعلم منذ متى و أنت تراقبنا..
ضحك سامي وهو يتعمد استفزاز أمل: أنت تعطين لنفسك أهمية كبيرة، قد كنت أراقب أختي كما تعلمين ستسافر قريبا و سأشتاق إليها.
شهقت سلمى ثانية، لكن هذه المرة على كلمات سامي، فهو دائما يحب استفزازها و إذلالها، لذا من النادر أن تسمع منه مثل هذا الكلام الجميل بحقها.
أما أمل فقد قالت وهي تكتم غضبها بصعوبة: أحسدها على سفرها لسبب واحد، وهو أنها سترتاح منك.
ثم أشاحت بوجهها بعيدا معلنة عن نهاية الحوار.
قالت سلمى بمرح مصطنع بعد أن أحست بحدة التوتر بين الاثنين: هل كان علي أن أبتعد عنك، لأعرف أنك تحبني لهذه الدرجة، كفاك كذبا و أخبرني ماذا تريد؟
رد سامي وهو لم يفارق أمل بعينيه: لست أنا من يريد، إنها أمي..تحتاجك بالمطبخ.
قامت سلمى مسرعة نحو الباب و هي تبعد الملابس المبعثرة في كل مكان عن طريقها ثم قالت: سأعود حالا يا أمل، ابدئي باعادة هذه الأغراض لمكانها..
خرجت سلمى من الغرفة، لكن سامي ظل بمكانه، وهو لم يبعد عينيه عن أمل بعد، هذه الأخيرة ظلت صامتة لبرهة و هي تعيد الملابس للخزانة، ظنت انه سيمل الوقوف و ينصرف،
لكنه لم يفعل لذا بادرته قائلة: ماذا الآن؟
رفع سامي حاجبيه وقال ببلادة: ماذا الآن؟
أمل بصبر : لم تنظر إلي هكذا؟
أبعد سامي عينيه عن أمل أخيرا، ثم قال وهو يحدق بالسقف: كنت فقط أتساءل عما ستفعلينه بعد أن تسافر سلمى، و أنتما الاثنتان لم تفترقا منذ مدة طويلة.
ردت أمل و قد اعتلى صوتها بعض الحزن: انه القدر، أنا أتمنى لها السعادة فقط، وسعادتها الآن مع من سيكون شريكا لحياتها.
أنزل سامي عينيه بغتة وتطلع لأمل بطريقة غريبة وهو يقول: وأنت متى ستجدين شريك حياتك؟ ألا تفكرين بالزواج؟
تفاجأت أمل لسؤاله لكنها ردت بابتسامة هادئة : لمَ تسأل.. هل تود أن تتخلص منا نحن الاثنتين معا؟
سامي وهو يستدير مبتعدا: أنت تبدين أجمل بكثير و أنت مبتسمة..ثم لعلمك قد أود أن أتخلص من أي شخص إلا أنت .
قالت أمل باندهاش: ولم؟
قال سامي دون أن يتوقف وبنبرة غامضة:ربما لأني أحب مضايقتك، هواية من هواياتي المفضلة..مضايقة أمل..وأنا لا أتخلى عن هواياتي أبدا، تيقني من هذا..
لم تدر أمل هل تحس بالغضب من كلماته، أم بالدهشة لغرابة و غموض ما يقول، وما زادها دهشة هو صوت صياح سلمى وهي تقترب من الغرفة غاضبة: سامي يا كاذب، أمي لم تطلبني، انتظرني فقط سأجعلك تندم على كذبتك هذه..
*********
- أمل ..هل هذه أنت؟
أغلقت أمل باب المنزل و ردت على والدتها: نعم أمي..
خرجت والدة أمل من المطبخ وهي تسألها: لمَ لم تظلي عند صديقتك؟
أمل : قد اتصل أحمد بهم منذ دقائق فقد حطت طائرته بالمطار، و سيكون عندهم في أية لحظة..
ابتسمت والدة أمل ابتسامة حانية و هي تقول لابنتها : كم أنا سعيدة من أجلها، وما يجعلني سعيدة أكثر هو أن فرحتها بزواجها واضحة بعينيها، أتمنى أن أطمئن عليك أنت أيضا يا أمل، و أن أرى هذه الفرحة بعينيك قريبا...
اقتربت أمل وقبلت والدتها على جبينها وهي تقول: بالنسبة لي لا أفكر بهذا الآن، تعلمين هذا يا أمي..
ثم ابتعدت قليلا و أكملت: سأذهب لغرفتي الآن ..هل تحتاجينني في شيء؟
ردت والدتها: أجل، اتصلي بسامي، أود أن يحضر لي معه بضعة أشياء من السوق و هو عائد من عمله، اتصلت بوالدك لكنه قال أنه سيتأخر كثيرا..
بمجرد أن سمعت أمل اسم سامي علت وجهها بعض أمارات الضيق، لكنها حاولت إخفاءها وردت بهدوء: سامي بمنزله الآن وليس بالعمل، أم نسيتي أن اليوم عطلة ..
قالت والدة أمل وهي تفكر : ماذا سأفعل الآن، قد قلت لأم سلمى أني من سيحضر الحلويات و الكعك، لكن هناك أشياء تنقصني.
ابتسمت أمل لوالدتها وهي تقول: لا عليك يا أمي، اخبريني بكل ما ينقصك، وسأذهب أنا للسوق..
ردت والدة أمل براحة: بارك الله فيك يا ابنتي، خذي ورقة و قلم لأملي عليك ما أحتاجه، لكن حاولي أن لا تتأخري بالرجوع.
أخذت والدة أمل تملي عليها احتياجاتها، وهي تنظر لابنتها بحنان، وكل ما تفكر به أنها تتمنى رؤيتها في كنف زوج يصونها ويحميها، فمنذ أيام وهي تشعر بقلق وخوف كبير على أمل، قلبها ينبئها بأن الحياة لن تظل مبتسمة لابنتها،وقلب الأم لا يخطئ..
********
كانت سلمى واقفة أمام المرآة بغرفتها، تتمعن مكياجها الهادئ و تسريحة شعرها الأسود الحالك ثم تمتمت : كم أنت ماهرة في هذا يا أمل، أبدو أجمل من الواقع بكثير !!
وحين سمعت طرقات على الباب تسارعت دقات قلبها، من المؤكد أن أحمد وصل، اتجهت للباب بسرعة وفتحته فوجدت سامي وعلى شفتيه ابتسامة، انتظرته أن يتحدث لكنه ظل ينظر إليها بإعجاب، فقالت بتوتر شديد: هل وصل أحمد؟
أمسك سامي بيدها وهو يخرجها من الغرفة ثم أغلق الباب ورائهما قبل أن يقول : نعم قد وصل للتو..لكن ما كل هذا الجمال الذي نزل عليك فجأة؟ !
ضربته سلمى بخفة على كتفه وهي تقول : أنا دائما جميلة..
ضحك سامي ثم قال : طبعا.. طبعا ومن قال غير هذا؟ هيا أسرعي.. فمن الواضح على أحمد انه لا يطيق صبرا ليراك..
انصبغ وجه سلمى بحمرة الخجل و عادت لتضربه، ثم قالت : أصمت.
مرر سامي أصابعه على فمه وكأنه يغلقه، فضحكت سلمى على حركته مما جعل توترها يخف قليلا.
كان احمد في غرفة الجلوس،يتحدث مع والد سامي وما ان لمح سلمى تنزل الدرج، حتى توقف الزمن بالنسبة إليه، وتعلقت عينيه بها وهو يعد خطواتها إليه..
اقتربت سلمى مطأطئة رأسها، قد غلبها التوتر و كأنها تراه لأول مرة، فطول مدة غيابه عنها هو ما جعل كليهما يترقبان لحظة لقاءهما وكأن دهورا مرت منذ آخر لقاء..
جاءها صوت أحمد الهادئ وهو يقول: كيف حالك يا سلمى؟
رفعت سلمى رأسها أخيرا و نظرت إليه، وحين تلاقت عينيها بعينيه أحست وكأنها غير قادرة على الوقوف، فحاولت الحفاظ على هدوئها و جلست على الأريكة، وهي ترد عليه دون أن تبعد عينيها عنه: بخير حال..و أنت؟
ابتسم أحمد لأنه أحس بالتوتر الشديد الذي تخفيه خلف قناع الهدوء ورد: أنا بخير..
كان سامي ينظر إليهما وعلى شفتيه ابتسامة، واقترب ليجلس هو الآخر لكن والده اعتدل واقفا ونظر له نظرة معناها –الحق بي - ، ثم قال: سأعود حالا..
ابتعد الاثنين معا ، وتركا أحمد وسلمى التي عادت تطأطئ رأسها قائلة : كيف كانت الرحلة؟
ابتسم أحمد وهو يقول: ارفعي رأسك و أنت تتحدثين.. و ساعات الرحلة مرت علي كالسنوات لأني كنت أعد الثواني لحين لقائي بك..
رفعت سلمى رأسها مبتسمة ابتسامة خجولة، مما جعل أحمد يضحك وهو يقول: ماذا هناك و كأنه أول لقاءا بيننا..أين سلمى المشاكسة والمرحة؟
ضحكت سلمى هي الأخرى وردت: انتظر لدقائق فقط، وستجد سلمى عادت لطبعها المشاكس والمرح. كل ما في الأمر أنني..
وأوقفت عبارتها دون أن تكمل،
فقال أحمد: أنك ماذا ؟
لكنها لم ترد فعاد يسأل بابتسامة عريضة: اشتقت إلي مثلا؟؟
ابتسمت سلمى بخجل ثم ردت: تقريبا..
ضحك أحمد وهو يهز رأسه بيأس من ردها المراوغ، وشاركته سلمى الضحك، ثم بدأ يحكي لها عن كل ما مر عليه طول مدة سفره هذه المرة، وغاب الاثنين في عالمهما الخاص..
***********
استلقت أمل على السرير، ثم أضاءت الأباجورة لتكمل قراءة روايتها التي بدأتها منذ يومين، من عاداتها أن تقرأ أي شيء حتى يغلبها النوم. لم تكد تقرأ سطرين، حتى سمعت رنين هاتفها، نظرت إليه بعينين ناعستين ثم أمسكته وردت ببرود:
- من الجميل أنك لازلت تذكرينني..
جاءها صوت سلمى ومعالم الفرحة واضحة عليه: لا تقولي هذا، كيف لي أن أنساك يا غبية، كل ما في الأمر أن أحمد لم يغادر إلا منذ ثوان، فأسرعت بالاتصال بك.
ردت أمل وقد غاب البرود عن صوتها و حل محله بعض الفضول : هااا، أخبريني كيف كان يومك؟
تنهدت سلمى ثم قالت بنبرة حالمة: يا الهي لو تدرين كم أنا سعيدة، أخشى أن أجن من شدة سعادتي، لكني لن أخبرك بتفاصيل، حتى تقومي و تأتي إلي ، أود أن أتحدث إليك فعلا و إلا سأجن..
نظرت أمل إلى الساعة على الحائط ثم قالت: لقد تأخر الوقت الآن، ثم أنت لم تدعيني أنم ليلة أمس، وأيقظتني باكرا اليوم، لذا فانا أحس بالتعب و لن أستطيع السهر هذه الليلة..
سلمى : أنا أيضا لم أنم منذ أمس سوى ساعتين، ولست أحس بأي تعب فكفاك دلالا و تعالي.
ردت أمل ضاحكة : أنت لا تحسين بتعب لأنك في قمة حماسك.. هيا أخبريني بكل تفاصيل ما حدث أو لنؤجل هذا الحديث كله للغد.
زفرت سلمى بحدة ثم قالت : كم أنت عنيدة ! حسنا لنؤجله للغد لأن حديثي سيطول. هل ستنامين الآن؟
أغلقت أمل الرواية التي بيدها ووضعتها فوق المنضدة بجانبها ثم قالت: كنت سأقرأ قليلا، لكن أظنني سأستسلم للنوم الآن، أحس بالتعب..
سلمى: ماذا تقرئين.. هل من رواية جديدة؟
أمل وهي تفرك عينيها وتجاهد ليظلا مفتوحتين: نعم، أحضرت رواية رومانسية جميلة آخر مرة زرت المكتبة.. و الآن هل لي أن أقول لك تصبحين على خير، أعلم أنك متحمسة جدا.. لكن حاولي النوم أنت أيضا، حتى لا تفقدي رونقك وحيويتك أنت عروس الآن..
ضحكت سلمى ثم قالت : شكرا على النصيحة و تصبحين على خير..
أغلقت أمل هاتفها حتى لا يزعجها أحد وهي نائمة ، ثم اختفت تحت الأغطية وكأنها تحاول الهرب من أفكارها، فهي بعد أن تذكرت ذاك اليوم بالمكتبة، استعادت نظرات ذلك الشاب إليها يومها، لا تدري لم تصر نظراته تلك على غزو أفكارها دون استئذان، ثم همهمت مجيبة نفسها: كل ما هنالك أن طريقة نظره إلي كانت جريئة و غريبة، لهذا علقت بذهني.
و حاولت إقناع نفسها بهذا الجواب وهي تستطرد: نعم هذا كل ما في الموضوع..
***********
وصل كل المدعوون تقريبا لمنزل سلمى، التي أصرت أن يقام حفل زفافها بمنزلها، وليس بقاعة أفراح كما هو شائع.رغبة منها في أن يكون هذا المنزل، وهذا الحي، آخر ما تقع عليه عينيها قبل أن تتوجه للمطار، و تترك خلفها كل الأماكن التي شهدت أجمل ذكرياتها .
سلمى انتهت من تجهيز نفسها، وجلست بغرفتها في انتظار نزولها للحفل، كانت تبدو بفستانها الأبيض الطويل في قمة التألق و الجمال، ورغم الدموع التي كانت تلمع بعينيها للحظات، فسعادتها بهذا اليوم لم تخف على أحد.
كانت والدتها تتأملها بحنان ونظراتها حائرة، لم تقرر بعد هل هي سعيدة لسعادة ابنتها، أم حزينة لفراقها..
أما أمل الجالسة بجانبها، فقد انسابت دمعة على خدها رغما عنها، وهي ترى صديقة عمرها تحقق حلمها الوردي، الذي لطالما ظلت تحدثها عنه، أن ترتدي فستانا أبيضا وتزف للرجل الذي اختاره قلبها..
ابتسمت سلمى لصديقتها و اقتربت معانقة إياها وهي تهمس بأذنها بمرح: أرجوك يا أمل، لا أريد أن أرى دموعا، وإلا سأستسلم أنا أيضا للبكاء، وأفسد كل العمل الشاق الذي قامت به المزينة لتجعلني جميلة هكذا !!
ثم ابتعدت عندما لمحت الابتسامة على وجه أمل والتفتت لوالدتها وهي تقول: أين سامي يا أمي؟
ردت والدتها : انه بالأسفل يستقبل الضيوف مع والدك ووالد أمل، هل تريدينه؟
هزت سلمى رأسها قائلة: أجل، إذا كنت ستنزلين الآن اطلبي منه أن يصعد إلي..
اتجهت والدتها للباب وهي تقول: حسنا، سأخبره..
وقبل أن تخرج قالت سلمى: ولتأخذي أمل معك لو سمحت يا أمي، فانا أريد سامي بحديث خاص..
عقدت أمل حاجبيها وهي تقول باستنكار: تطردينني! وما هذا الحديث الخاص.. هل هناك أسرار تخفينها عني؟؟
قبل أن ترد سلمى اتجهت أمل خارجة من الغرفة وهي تمثل الغضب: لا تقولي شيئا، أنا غاضبة منك الآن..
وابتعدت مع أم سامي، ثم تبادلتا ابتسامة، حين سمعتا سلمى تصرخ من داخل الغرفة: أمل، أقسم أني لم أقصد إغضابك، ارجعي..
التف بعض المدعوون حول أم سامي فور نزولها، مهنئين ومباركين لها زواج ابنتها، وحين وجدت أنها ستنشغل معهم، طلبت من أمل أن تبحث عن سامي لتخبره أن سلمى تطلبه.
رغم عدم رغبة أمل الاحتكاك بسامي أو الاقتراب منه، إلا أنها اتجهت نحوه مستسلمة، بعد أن لمحته واقفا مع والدها، اقتربت منه بهدوء ثم قالت وهي تتأمله باهتمام، فأناقته اليوم زادته وسامة على وسامته:
- سامي، سلمى تطلبك..
كان سامي منشغلا بالحديث مع والد أمل لذا لم يلحظها حين اقتربت ، لكن حين تحدثت وانتبه إليها،انعقد لسانه، قد صدمه جمال هذه الفتاة الملائكية الواقفة أمامه، كانت أمل ترتدي فستانا زهري اللون، ناعما، زاد من نعومتها المعهودة، وخصلات من شعرها الكستنائي الطويل تتراقص بحرية حول وجهها الناصع البياض، كأنه القمر ليلة تمامه. ودون أن ينتبه لنفسه وجد نفسه يقول و الدهشة واضحة على كلماته: هل قرر القمر اليوم أن يتواضع و وينزل من مكانه العالي بالسماء ليشاركنا هذا الحفل؟
أمل لم تنتبه للإعجاب بنظراته و لم تفهم ما يقصد من كلامه ، ظنت أنه يسخر منها كعادته لذا قالت بضيق شديد وهي ترفع فستانها الطويل قليلا، مبتعدة بسرعة من أمامه: قد سئمت منك !!
لكن والد أمل فهم ما لم تفهمه هي، فهم نظرات الإعجاب بعيون سامي وفهم ما قصده، وربما هذه هي أول مرة بالنسبة إليه يلحظ فيها إعجاب سامي بابنته، فقال بابتسامة متوترة قليلا: أتتغزل بابنتي أمامي؟
انتبه سامي أخيرا للكلمات التي نطق بها منذ قليل ورد على والد أمل بارتباك: اعذرني.. ابنتك بالفعل كالقمر، آسف يا عمي لم أستطع امساك لساني !!
ثم ابتعد متجها لغرفة سلمى وهو لا يزال يتابع أمل بعينيه، كانت تنتقل كالفراشة من ركن لركن، وهي تسلم على هذا و تبتسم مجاملة لهذا، فقال لنفسه بحزن: إذا فهمت أنتَ ما كنت أقصد من كلماتي.. لماذا أمل لم تفهمها للآن !!
حين دخل سامي لغرفة أخته، وجدها تتمعن نفسها بالمرآة، و كان يبدو أن أفكارها انتقلت لمكان آخر، فاقترب منها بهدوء ووضع يديه على كتفيها وهو ينظر إليها من خلال المرآة:
- فيما تفكر عروسنا ؟
بادلته سلمى نفس الابتسامة واستدارة لتواجهه قائلة: - بأشياء كثيرة..
أمسك سامي بكرسي، و جلس عليه ثم قال بمرح: طبعا أشياء كثيرة، من المؤكد أنك تفكرين بمستقبلك مع أحمد. عليك أن لا تقلقي.. أحمد إنسان طيب القلب ، ستكون حياتك معه سعيدة.. أنا واثق.
تنهدت سلمى بعمق ثم قالت: وماذا لو قلت لك أني لست قلقة لهذا السبب، أنا مطمئنة من هذه الناحية، سبب قلقي شيء آخر..
نظر إليها سامي بطريقة تحثها على إكمال ما تود قوله فاستطردت: أنا قلقة على أمل..
رفع سامي حاجبيه بدهشة قائلا: لم تقلقين على أمل..ما بها؟
ردت سلمى بتوتر: لا شيء، لا أدري ما سبب قلقي عليها أساسا..
ثم نظرت برجاء لأخيها وهي تكمل: سامي، أرجوك انتبه إليها، اعلم أنها تمثل الكثير بالنسبة إليك..
قال سامي وهو يستغرب سبب هذا الكلام: هل توصينني على أمل يا سلمى !؟
ثم أنزل عينيه للأرض وهو يتذكر موقفه مع أمل منذ قليل و أكمل بهدوء: حتى أنت تعلمين مكانتها عندي ، وأغلب الظن أن الكل يعلم، إلا هي.. لا أدري متى ستفهمني !
شعرت سلمى بالألم الذي تحمله كلماته و الذي يحاول أن يخفيه بهدوئه فقالت بعطف : سامي، ألا ترى أن هذا خطأك، انت لم تصارحها يوما، بالعكس دائما ما تحاول مضايقتها و استفزازها، وهذه ليست أفضل طريقة تظهر بها حبك لها كما تعلم..
شدت انتباه سامي كلمتين –حبك لها- نعم هو يحبها، بل يعشقها.. و بجنون، لم يسبق له أن اعترف بهذا، حتى بينه و بين نفسه، دائما ما كان يحاول إخفاء هذه المشاعر التي لا يدري متى ولدت، ولا إلى أين ستوصله..
لكنه لم يحاول الإنكار هذه المرة، و قال وملامحه يعلوها حزن و ألم لم يستطع إخفاءهما: أنا أحس أحيانا أنها تكرهني، كيف لي أن أخبرها أني..
ولم يكمل جملته..
اقتربت سلمى منه وأحاطته بذراعها وهي تقول: وكأنك لا تعرف أمل ! نحن أعلم الناس أن قلبها لا يعرف للكره طريق، هي تعزك وتقدرك يا سامي، بالله عليك قد كبرنا سويا، ضحكنا سويا، وبكينا سويا، أنت من يجعلها بتصرفاتك تنفر منك أحيانا..
نظر سامي لأخته نظرات متسائلة وهو يقول: هل أخبرها إذا؟
حركت سلمى رأسها علامة النفي ثم قالت: لا، لو أردت رأيي غَِير من طريقة تعاملك معها أولا، اجعلها تشعر باهتمامك بها.. اجعلها تقع بحبك كما أنت واقع بحبها، وبعدها سيصبح إخبارها أمرا سهلا..
أمسك سامي بيد أخته وقبلها وهو يقول بامتنان: لو تدرين كم أرحتني يا سلمى..ليتني حدثتك بهذا الموضوع منذ زمن فقد أتعبني التفكير.. كنت قد قطعت أملي في أن تحس بي يوما..
ابتسمت سلمى ثم قالت بمرح: لا تفقد الأمل أبدا !! خصوصا للحصول على قلب أمل ! قد كنت أحاول أن أحدثك بهذا الموضوع، لكنك لم تكن تمنحني الفرصة، فقررت أني لن أسافر إلا بعد أن أجعلك تغير من تصرفاتك حتى تصل لما تتمنى..
عاد سامي يقبل يد أخته ثم عانقها وهو يقول: شكرا لك يا سلمى..
في هذه اللحظة دخلت أمل الغرفة و حين رأت سامي قالت بضيق: ألازلت أنت هنا..
نظر إليها كل من سلمى و سامي بنظرات لم تفهم مغزاها فقالت ضاحكة: يبدو أني قطعت عليكما فيض المشاعر الأخوية..
ضحكت سلمى ثم قالت : هل أستعد للنزول أم ماذا؟
ردت أمل وهي تحاول تجاهل سامي الذي لم يبعد عينيه عنها: نعم ستنزلين الآن.. لهذا جئت إليك.
************
مر حفل الزفاف في أحسن الظروف، السعادة كانت تبدو على الجميع هذا اليوم، خصوصا على العروسين احمد و سلمى، وحتى أمل تناست خلال هذه الساعات ضيقها الدائم من سامي، سعادتها من أجل صديقتها جعلتها تحاول أن يكون هذا اليوم من أجمل الأيام التي عدت عليهم، فتعمدت أن تبادله أطراف الحديث أمام سلمى، كي لا تشعر هذه الأخيرة بما ينغص عليها فرحتها، ولا تشغلها بمشاكلها معه.
وحين وصلت السيارة التي ستقل العروسين للمطار، خرج الجميع من المنزل كي يودعهما، ودعهم أحمد و سبق سلمى للسيارة، كانت لحظة الفراق صعبة على والد ووالدة سلمى، هذه الأخيرة لم تستطع منع دموعها ، فتركتها تبلل وجهها الذي لم يخل من ملامح السعادة من أجل ابنتها. سلمى حين رأت وجه والدتها الغارق بدموعه، عانقتها عناقا طويلا، ولم تتركها إلا حين حملها سامي على ذلك، وفتح باب السيارة أمامها وهو يقول: هيا يا سلمى، ستتأخران على رحلتكما..
عانقته سلمى هو الآخر بسرعة وهي تقول وسط دموعها: أين أمل ؟
رد سامي وهو يبحث عن أمل بين المتواجدين: لا أعلم ..اختفت منذ قليل !
ركبت سلمى السيارة و أخرجت رأسها من النافذة وهي تقول بحزن: قد أخبرتني أنها لن تحتمل أن تقول لي وداعا، لم أفكر أنها لن تودعني هذه السخيفة، أرجوك يا سامي أخبرها أن سلمى لا تقول لك وداعا بل إلى اللقاء..
هز سامي رأسه وهو يقول : سأخبرها..
وانطلقت السيارة مبتعدة وعيون الجميع متعلقة بها، عيون أمل أيضا كانت تتابعها إلى أن اختفت، ظلت تراقب ما يحصل من نافذة غرفة سلمى،كانت تجهش بالبكاء، و هي لا تحب أن يراها أحد وهي على هذه الحال، ولم تكن تود أن تراها سلمى بالذات على هذه الحال، لن يكون آخر منظر تراها فيه.. هو منظرها وهي محطمة بسبب فراقها.
أغلقت أمل النافذة، و اتجهت للمكتب بخطوات متثاقلة، ثم التقطت صورة سلمى الموضوعة عليه واحتضنتها بقوة و ودموعها لا تكف عن الانهمار..
كان المدعوون قد تفرقوا، وذهب كل لحال سبيله، وعاد الهدوء للمنزل، وفي ركن من أركانه، جلس والد أمل ووالد سامي، وكان هذا الأخير يسأله باهتمام: هل أنت متأكد مما رأيت؟
رد والد أمل بثقة: أجل متأكد.. سامي يحب أمل، كنت أظنه يعتبرها كأخت له، لكن فاجئني اليوم..
خيم صمت ثقيل للحظات على الاثنين، قطعه والد أمل قائلا بحزم شديد:
- عليك أن تحدثه، أقنعه أن يبتعد عن أمل، فما يريده مستحيل الحدوث !!
*********
الجزء الثالث :
- 3-
ما سر هذا الغموض !؟
***********
طال انتظار أمل لسيارة أجرة، كانت واقفة تحت ظل شجرة بالقرب من باب منزلها، فقد كان يوما حارا جدا، يجعل أي شخص يفضل البقاء بمنزله على أن يتعرض لأشعة الشمس الحارقة.
لكن اليوم هو السبت، أي اليوم الذي تخصصه أمل كل أسبوع لزيارة المكتبة، وطبعا لم يمنعها الحر الشديد من الذهاب، خصوصا و أنها تخلفت لمدة طويلة عن زيارتها بسبب انشغالها مع سلمى.
كانت تنظر للسيارات و هي تمر مسرعة من أمامها بملل،و فجأة وجدت سيارة تتوقف أمامها، وأخرج شاب رأسه من النافذة وهو يقول: ستتعرضين لضربة شمس..إلى أين أنت ذاهبة؟
ردت أمل بهدوء: هل ستوصلني إذا علمت إلى أين سأذهب؟
عقد الشاب حاجبيه كأنه يفكر ثم قال بسرعة: أجل سأوصلك.
ثم فتح باب السيارة أمامها و أضاف: اصعدي..
صعدت أمل السيارة، والتزمت الصمت، إلى أن سألها الشاب: إلى أين ؟
ردت أمل دون أن تلتفت إليه: المكتبة..
هم أن يقول شيئا لكنه عدل عن ذلك فنظرت إليه أمل وقالت: قل ما بجعبتك يا سامي، من المؤكد أنه تعليق ساخر ككل تعليقاتك..
ابتسم سامي وهو يقول: أنت تسيئين الظن بي دائما ..كنت سأقول فقط أنك شغوفة بالكتب لدرجة كبيرة، هل هناك شيء تحبينه أكثر من الكتب !
ردت أمل بهدوء: أجل هناك، أمي و أبي وكل المقربون إلي..
قال سامي وهو يتوقف بالسيارة أمام إشارة حمراء: وهل أنا منهم؟
والتفت لأمل في انتظار جواب منها، إلا أنها كانت تنظر للجهة الأخرى، و كأنها لم تسمع سؤاله، فقال بضيق: أمل..أنظري إلي فأنا أحدثك..هل أنا منهم؟
نظرت إليه أمل، فوقعت عينيها بعينيه، و لمحت بهما شيء لم تره من قبل، كانت نظراته تحمل معاني كثيرة،لم تستطع أمل فهمها، أربكتها هذه النظرات وجعلت دقات قلبها تتسارع، فأشاحت بوجهها بسرعة، وقالت محاولة عدم إظهار ارتباكها : من المؤكد أنك منهم..
تنهد سامي بارتياح، وانطلق بالسيارة بعد أن سمع أبواق السيارات خلفه تحثه على الابتعاد عن الطريق، فهو لم ينتبه للإشارة التي تحولت لخضراء..
- لا أدري لم كنت أحس أحيانا أنك..أنك تكرهينني..
قالها سامي بعد تردد.
رفعت أمل حاجبيها وقالت بدهشة: أنا أكرهك يا سامي ! أجننت؟ أنت بمثابة الأخ لي، كيف للأخت أن تكره أخاها !
شعر سامي بخيبة أمل كبيرة بعد عبارة أمل هذه ، بمثابة الأخ يا أمل ؟أخ !!
أمل وجدتها فرصة لتصارحه بما يدور بخلدها فقالت: كل ما في الأمر يا سامي، أني كل مرة أراك فيها تجعلني بتصرفاتك أود أن أتحاشاك طول العمر..
اعتصرت هذه الكلمات قلب سامي وكان يود أن يطلب منها التوقف عن الكلام.
إلا أنها أضافت بسرعة : صحيح أني أغضب منك ، لكن بعد أن أخلو بنفسي و اهدأ، أفكر بأنك لا تقصد ما تقوله، إن لكَ قلبا طيبا لا يعرفه أحد مثل ما أعرفه أنا، المشكلة تكمن في شخصيتك التي تحب استفزاز من أمامها، خصوصا لو كان من أمامها..
ثم ابتسمت و أشارت لنفسها قبل أن تكمل: لكن أقسم لك أنك عزيز علي حتى بتصرفاتك المستفزة و الصبيانية..
قال سامي وقد حملت ملامحه إصرارا لم تعهده أمل به: وأنا أقسم لك أنا تصرفات سامي معك ستتغير..
ورمقها بنظرة سريعة قبل أن يعيد تركيزه على الطريق أمامه و يضيف: و سيصبح أكثر من أخ..أعدك.
شعرت أمل بغموض في كلمات سامي، هو منذ مدة أصبح غامضا بالنسبة إليها، لكنها لم تحاول استفساره عما يقصد وقالت مديرة دفة الحديث : أرجو أن لا أكون قد أخرتك عن موعد ما..
حرك سامي رأسه نفيا وقال كاذبا: لا أبدا، سأمر على صديق لي، الطريق إلى منزله هو نفس طريق المكتبة..
سكت الاثنين لثوان قبل أن يضيف سامي: إذا أردتِ بإمكاني المرور بالمكتبة عند رجوعي ..سأوفر عليك انتظار سيارة أجرة..
ابتسمت أمل وهي تقول : لا أريد أن أتعبك معي..لكن مادمت ستمر من نفس الطريق، فستوفر علي فعلا الانتظار في هذا الحر..
بادلها سامي الابتسامة قائلا: ليس هناك أي تعب..حتى لو لم يكن الطريق هو نفسه.. يسعدني أن أخدمك بأي شيء يا أمل..
نظرت أمل اليه باستغراب وهي تقول: لم أظن أنك ستغير طريقتك المستفزة في الحديث معي وتصبح خدوما بهذه السرعة !
ضحك سامي ورد : من اليوم.. فتحنا أنا و أنت صفحة جديدة، وسامي القديم و المستفز عليك نسيانه..
اتفقنا؟
ابتسمت أمل ثم قالت بمرح : سأحاول..لكني لا أعدك بشيء..
ضحك سامي على ردها ثم قال: من الواضح أنك أنت التي لن تتغير أبدا..
ثم صمت قليلا قبل أن يضيف: هل اتصلت بك سلمى اليوم؟
ابتسمت أمل وهي ترد : لا، لكني حدثتها أمس على الماسنجر ، ربما لساعة أو أكثر..
قال سامي بخبث: شيئا فشيئا، ستقل اتصالاتها، وستنشغل عنك تماما..
نظرت أمل إليه نظرات استنكار وعدم تصديق لما يقول..
فضحك ثم قال : حسنا لا تصدقيني.. لكنها أختي و أنا أعرفها.
قالت أمل بكل ثقة: وصديقة عمري و أنا أعرفها !! ما تقوله لن يحدث..
ثم أخذ الاثنان يتبادلان أخبار سلمى، و يتذكران كل ما مر عليهم من أحداث معا. سامي كان قد باشر فورا في تنفيذ قسمه..فهما لم يحظيا بمثل هذا الحديث الهادئ والخالي من المشادات الكلامية منذ مدة لا يتذكر أمدها أحد.
***********
دخل والد أمل المنزل، وكان يبدو عليه التعب الشديد و الإرهاق، من الواضح أنه لم يؤخذ حاجته من النوم لأيام، صعد الدرج و قبل أن يدلف لغرفته مر بغرفة أمل و طرق الباب، وعندما لم يأته رد، فتحه فوجد الغرفة خالية، أعاد غلق الباب ثم دخل غرفته، رأى والدة أمل واقفة بالشرفة، وعلى وجهها علامات التفكير العميق، كانت عيونها محاطة بهالات سوداء، وكأنها هي الأخرى لم تحظ بنوم هانئ منذ مدة..توجه والد أمل نحوها ووضع يده على كتفها وهو يقول : ألازلت تفكرين بما أخبرتك به؟
تنهدت ثم تطلعت إليه قائلة: كيف لي أن لا أفكر..لا أدري ما الحل، علينا أن نجد حلا و بسرعة..
رد والد أمل وهو يحاول أن يجعل كلماته واثقة حتى يطمئنها: لا تقلقي، كما أخبرتك طلبت من والد سلمى أن يتحدث معه و أن يطلب منه الابتعاد عن أمل ..
ثم صمت قليلا قبل أن يردف: بالإضافة إلى أن ما رأيته، أكد لي بأن تلك المشاعر هي من طرف سامي فقط، أمل تعتبره كأخ لها لا أكثر ولا أقل..
عادت أم أمل تتنهد ثم قالت: أتمنى أن تكون على حق.
ثم اتسعت عيناها برعب و أضافت: لكن ماذا لو غيرت أمل رأيها به..
أحاطها والد أمل بذراعيه ووضع رأسها على صدره وهو يقول هامسا في محاولة لتهدءتها: اطمئني لن يحدث هذا أبدا..سنعمل على أن لا يحدث هذا..و لو اقتضى الأمر أن نبعدها عن سامي للأبد !
*********
وجدت أمل بصعوبة طاولة بمقعدين فارغين، فساحة المكتبة اليوم مكتظة بالزوار، جلست على أحد المقاعد و وضعت حقيبتها على الثاني قبالتها، ثم وضعت كل الكتب التي انتقتها اليوم فوق الطاولة، و انهمكت في قراءة فهرس كل كتاب.
وفي الطرف الآخر للساحة كان هناك شاب واقف برفقة فتاة، كانت هذه الأخيرة تحدثه وهي تتمايل بدلال، لكن تركيز الشاب كان منصبا على أمل، كان يرمقها بكل اهتمام، انتبهت الفتاة إلى أنه لا يستمع لما تقوله و أنه ينظر باهتمام لشيء ما، فالتفتت تبحث عن ما يشغله عنها، وعندما وقعت عينييها على أمل استدارت بغضب و هي تلوح بيدها أمام وجهه قائلة :
- دعك من هذه الفتاة الآن، قد بدأ صبري ينفذ يا خالد..
لم يبعد خالد عينيه عن أمل و قال وهو يزيح تلك الفتاة عن طريقه: انتظريني..سأعود
ثم اتجه نحو الطاولة التي تجلس عليها أمل، ولم يرد على نداء تلك الفتاة الغاضب والمستمر له..
اقترب خالد من أمل و ظل يتأملها للحظة، قبل أن يقول بصوت هادئ: هل تسمحين؟
رفعت أمل عينيها عن الكتاب، وتجمدت في مكانها ،كان نفس الشاب الذي استغربت نظراته إليها في آخر مرة زارت بها المكتبة. لكنها حاولت أن تقلد هدوءه قائلة: أسمح بماذا؟
أشار خالد للمقعد الذي وضعت أمل حقيبتها عليه ثم قال: كما ترين لا يوجد أماكن شاغرة..
التقطت أمل حقيبتها بسرعة ووضعتها بجانبها، ثم عاد تركيزها للكتاب بين يديها..
جلس خالد على المقعد ووضع بعض الكتب هو الآخر على الطاولة، ونظر لغلاف الكتاب الذي تقرأه أمل، ثم قال بصوته الهادئ: هل تقرئين لهذا الكاتب كثيرا؟
رفعت أمل عينيها ثم أعادتها سريعا لصفحات الكتاب وهي تقول ببرود : أجل.
عدل خالد من جلسته وفتح هو الآخر كتابا و كأنه سيقرئه، إلا أنه كان ينظر لأمل.
شعرت أمل بنظراته فرفعت عينيها متسائلة: هل من شيء؟
قال خالد بهدوء وهو يغلق الكتاب و يقدمه لأمل : هل سبق و قرأت هذا؟ انه لنفس الكاتب..
أخذت أمل تنظر للكتاب باهتمام، لكن قبل أن ترد، توقفت فتاة أمام خالد وقالت بغضب واضح :
هل لنا أن نذهب الآن؟
نظر خالد للفتاة ببرود ثم رد : ليس الآن يا مروى، أنا مشغول..
ظهرت الصدمة على وجه مروى لرده، وهمت أن تقول شيئا، لولا أن أمل اعتدلت واقفة و جمعت كتبها، ثم ابتعدت دون أن تنطق بكلمة. كانت تحس بانزعاج كبير، فلم تطق الجلوس أكثر أمام هذين الاثنين..
قام خالد واقفا هو الآخر و أمسك ذراع مروى بقوة، ثم قال وهو يضغط على أسنانه محاولا عدم رفع صوته: قد أخبرتك أن تنتظري بمكانك..
ثم دفعها بعيدا عنه، وعاد يجلس بالمقعد وفتح كتابه بهدوء عجيب، وكأنه لم يكن غاضبا منذ ثانية..
اقتربت مروى منه وقالت وهي تهم بالجلوس : لا تغضب هكذا ، ستجد فرصة أخرى للحديث معها.. أنا آسفة..
رد خالد دون أن ينظر إليها : أريد أن أجلس وحدي الآن..
عقدت مروى حاجبيها بغضب و ابتعدت عنه صاغرة..
وبمجرد ابتعادها أخذ خالد يتأمل المقعد التي كانت أمل جالسة عليه، فلمح شيئا فوقه، قام واقفا و اتجه نحوه ثم التقطه، كان بطاقة اشتراك بالمكتبة، فابتسم ابتسامة جانبية وهو يرى صورة صاحبة البطاقة، ثم قال و الابتسامة لم تفارق شفتيه : أمل محمود..يبدو أن القدر منحني فرصتي الثانية سريعا..و على طبق من ذهب..
*************
جلست أمل تشاهد التلفاز، كانت تتابع الأخبار على إحدى المحطات، تحس بالقهر كلما استمعت إلى أعداد الأبرياء التي تقتل كل يوم في بلدان كثيرة،و أثار حنقها أن المذيعة الفاتنة والمرحة تقدم نشرة الأخبار هذه، المليئة بإحصائيات الانفجارات و القتلى، وعلى شفتيها ابتسامة واسعة ! لو لم ينتبه الشخص لما تقول قد يعتقد أنها تقوم بالدعاية لمنتوج ما، أو تقدم على الأقل اخبارا ممتعة جدا !!
غيرت أمل المحطة وهي تتمتم: لا عجب أن الناس لم يعودوا يتأثرون بموت الأبرياء، مادامت حتى أخبارهم يعلن عنها بهذه الطريقة..
بمجرد أن أنهت عبارتها وجدت أمل والدتها تقترب و تجلس بجانبها وهي تقول :
- لم تتأخري اليوم بالمكتبة..
مطت أمل شفتيها و هي تتذكر ما حدث مع ذلك الشاب الغريب، تذكرت ارتباكها الشديد الذي حاولت أن تخفيه بقناع البرود، لقد تعمد الجلوس على نفس طاولتها، ما الذي يريده منها يا ترى !
حركت رأسها وكأنها تحاول طرد هذه الأفكار، لا تريد أن تشغل تفكيرها به، ثم ردت: قد كانت مكتظة جدا..ففضلت الرجوع باكرا..
و أخذت تتأمل والدتها ثم قالت ونبرة صوتها يعلوها القلق: أمي ما بك..تبدين مرهقة..هل أنت مريضة؟
حركت أم أمل رأسها نفيا ثم قالت : لا..لست مريضة..كل ما في الأمر أني أعاني من الأرق هذه الأيام..
ظلت أمل تتطلع إليها بنظرات قلقة..فابتسمت والدتها وهي تقول مطمئنة إياها : لا تقلقي يا أمل..أنا بخير..
ثم أضافت: قد رأيتك تركبين السيارة مع سامي اليوم..
ردت أمل وقد عادت تغير المحطات على التلفاز: أجل..لم أجد سيارة أجرة..فقام بإيصالي للمكتبة..
هزت أم أمل رأسها بتفهم ثم قالت : استغربت فقط..فأنا أعلم أنك تتحاشينه دائما..
ابتسمت أمل و هي ترد: لست أتحاشاه يا أمي..كيف للإنسان أن يتحاشى قدره..
صدمت أم أمل من كلمة ابنتها الأخيرة، وكاد قلبها يتوقف عن الخفقان، هذا ما كانت تخشاه !
إلا أن أمل أضافت: انه بمثابة الأخ لي يا أمي، تجمعنا أشياء كثيرة به وبعائلته..فطبعا لست أتحاشى أخي ..حتى لو حاولت لن أستطيع !
تنهدت أم أمل بارتياح ثم قالت: أرحتني يا ابنتي..
ضحكت أمل ثم قالت وهي تمثل الحزن:أنت أيضا يا أمي ظننتني أكرهه !؟.. أنتم تظلمونني جميعا.. لست أحمل لسامي بقلبي غير كل الخير، حتى حين يتعمد مضايقتي أسامحه بسرعة..أنا وسامي وسلمى أخوة يا أمي ..فأبعدوا عن ذهنكم هذه الأفكار..
زاد ارتياح أم أمل و قالت بابتسامة واسعة: أنا أتمنى لكم الخير جميعا..
اقتربت أمل من والدتها وأمسكت بيدها ثم قبلتها وهي تقول: حفظك الله لي يا أمي..
ربتت والدتها بحنان على رأسها وهي تحمد الله، على الأقل أمل تعتبر سامي فعلا كأخ، لربما هذا سيجعله يغير طريقة تفكيره بها و يعدل عن ما يدور بذهنه.
********
بباريس، عاصمة الأناقة و الجمال كما يحب أن يسميها الفرنسيون، بدأ زوج حياتهما المشتركة منذ أيام، سلمى للآن لا تستطيع التصديق بأنها متزوجة من أحمد، تحس و كأنه حلم، ستصحو منه عاجلا أم آجلا..
كانت جالسة بحديقة المنزل، و نسيم الصباح العليل يداعب خصلات شعرها، عينيها مغمضتين، من يراها قد يعتقد أنها استسلمت للنوم، أحمد الذي كان يقترب منها ظن ذلك، لولا أنه سمعها تتمتم بصوت خافت: يا رب.. لو كان هذا حلما..فلا أريد أن أصحو منه.
ابتسم أحمد وجلس بجانبها ثم همس بأذنيها : هذا ليس حلما يا ملاكي، افتحي عينيك و أنت مطمئنة..
ابتسمت سلمى قبل أن تفتح عينيها وتنظر إليه ولم تنطق بأية كلمة، بل ظلت تتفرس ملامح وجهه، عيونها كانت تنطق بكلام كثير..كلام أحمد هو الوحيد القادر على فهمه..
قفز أحمد من مكانه بغتة وجلس على الأرض أمامها وهو يقول بطريقة مسرحية: أرجوك..أرجوك..ارحميني من هذه النظرات، إنها أسهم تخترق قلبي المسكين..
ضحكت سلمى على حركته هذه وهي تقول: لم أكن أعلم أنك ممثل بارع !!
رد عليها أحمد وهو يعود للجلوس بجانبها : أبدا، لست أمثل أنا أقول الصدق !
ثم أمسك بيدها وهو يكمل: أعتذر لأني سأضطر للذهاب للعمل الآن، كنت أود البقاء معك أكثر..
قالت سلمى برجاء: فلتؤجل عملك للغد، لم نقض معا سوى بضعة أيام وها أنت ستعود لعملك !
رد أحمد بابتسامة عريضة: يا عزيزتي تعرفين أن إجازتي قد انتهت، ويجب علي الذهاب اليوم..
ردت سلمى بحزن:حسنا..
أمسك أحمد بذقنها وقرب وجهها منه قليلا وهو يقول: لا أريد أن أرى بعينيك هذا الحزن، عندما أعود سنخرج سويا موافقة؟
عادت الابتسامة لوجه سلمى وهزت رأسها موافقة كطفلة صغيرة..
طبع أحمد قبلة على جبينها ثم قام واقفا واتجه نحو باب المنزل الرئيسي و قبل أن يخرج استدار باتجاهها ولوح بيده لها مودعا، وهو يحرك شفتيه بما معناه: أحبك..
نهضت سلمى من مكانها و دلفت لداخل المنزل، وهي تتساءل عما ستفعله لحين عودة أحمد، جلست على الأريكة بملل ووقعت عيونها على الهاتف فرفعته وهي تقول مبتسمة: سأتصل بأمل..
لكنها أعادت الهاتف لمكانه ونظرت للساعة بيدها و هي تتمتم: لكنها التاسعة الآن، بالإضافة لفارق التوقيت..لا زال الوقت مبكرا جدا عند أمل..
ثم ابتسمت بخبث و رفعت الهاتف ثانية وهي تقول: قد ارتاحت من إزعاجي بما يكفي..من المؤكد أنها اشتاقت له..
أخذت سلمى تنتظر ردا لمدة ليست بالقصيرة، إلى أن جاءها صوت أمل الناعس وهي تقول بخفوت : آلو ..من؟
وضعت سلمى يدها على فمها كي تمنع نفسها من الضحك وهي تقول : صباح الخير يا أمل..هل اشتقت إلي؟
********
بعد أن اغتسلت،نزلت أمل للمطبخ وحضرت لنفسها كوب قهوة لينشطها قليلا..ورجعت لغرفتها ثم فتحت حاسوبها الشخصي وهي لا زالت غاضبة من سلمى، كيف تجعلها تصحو في هذه الساعة المبكرة. ولماذا؟ لتحدثها على الماسنجر !!
تمتمت وهي تشغل البرنامج : أنا الغبية التي استمعت لما تقول، كان علي أن أقطع الاتصال فور أن سمعت صوتها !
لم تكد تنهي عبارتها حتى وجدت كلمات سلمى أمامها:
سلمى: ما كل هذا التأخير !
زفرت أمل بحدة و هي تكتب: أنت مزعجة.. كنت أعلم أني لن أرتاح منك حتى ولو سافرتي لأبعد بقاع الأرض !
سلمى: حسنا..بإمكانك الخروج إن أردت..
أمل: بعد أن قمتي بحرماني من نومي الهانئ تقولين لي.. أخرجي إن أردت !
سلمى: أعلم أنك لن تفعليها.. لأنك اشتقت إلي ..
أخيرا اختفت ملامح الغضب من وجه أمل و ابتسمت قبل أن تكتب: أبدا لم أشتق إليك..
سلمى: وأنا أيضا لم أشتق إليك !
ضحكت أمل ثم كتبت: أطلعيني الآن عن آخر أخبارك مع أحمد، وابعثي لي صوركما التي تحدثني عنها على الهاتف..
سلمى: سأبعثها الآن..انتهت إجازة أحمد وعاد للعمل.
أمل: بهذه السرعة !
سلمى: أجل.. للأسف. وأنت ما آخر أخبارك؟
أمل: لا شيء..أشعر بالملل و أود أن تبدأ الدراسة سريعا !!
سلمى: و سامي أترينه كثيرا؟
ابتسمت أمل، ظنت أن سلمى تريد الاطمئنان عليها، فقد تركتها وحدها فريسة سهلة لمضايقات سامي.
أمل: أراه كثيرا..عند زياراتي لوالدتك.
سلمى: وكيف حاله معك؟
أمل : أحسن من قبل بكثير، هل تصدقين.. أصبح بمقدوري أن أحظى بمحادثات هادئة معه دون أية مشاكل !
سلمى: ممتاز !!
أبعدت أمل أصابعها عن لوحة المفاتيح للحظة، ثم عادت تكتب: سلمى، أريد أن أسألك عن شيء..
سلمى: تفضلي طبعا !
ترددت أمل قليلا قبل أن تكتب : قد أخبرتني بأنك أحببتي أحمد منذ أول مرة رأيته فيها..
سلمى: صحيح..
كتبت أمل بسرعة قبل أن تعدل عن رأيها ولا تسأل سلمى: ما كان شعورك بالضبط لحظتها..
سلمى: قد حدثتك عن هذا أكثر من مرة !
أمل: لا بأس..أخبريني مرة أخرى لن تخسري شيئا..
سلمى: حسنا.. تعلمين انه طلب يدي لمجرد أنه على معرفة بوالدي، و أني كنت رافضة لهذا الموضوع، لكن والدي من أصر علي أن أراه قبل أن أقرر، كان يأمل أن أغير رأيي وهذا ما حصل فعلا..وافقت على لقاءه، وكان هذا فقط كي أرضي والدي.. مع إني كنت مقررة الرفض، مهما كان ما سيحدث في هذا اللقاء..
أمل : أكملي..
سلمى: لا أدري ما حدث حين رأيته..لكن شيئا بداخلي اهتز..لن أستطيع أن أصف لك بالضبط..
أمل : حاولي !
سلمى: سأحاول..أتعرفين.. كأن هناك يدا انتزعت قلبي ثم أعادته لمكانه..قواي خارت بمجرد أن تلاقت عيوني بعيونه..شعور غريب بالسلام و الاستسلام معا..وهو شعر بنفس الشيء أيضا ..شعور غريب.. لا أدري كيف أصف فعلا !
توقفت عيون أمل على كلمات سلمى و أخذت تقرأها و تعيد قراءتها قبل أن تكتب: يكفي ما قلت..
سلمى: لكن لم تسألين؟
أمل: لا لشيء..مجرد فضول.
سلمى: مجرد فضول.. أم أن هناك أخيرا من حرك مشاعرك؟
انتبهت أمل إلى أنها بأسئلتها أثارت شك صديقتها، لذا كتبت بسرعة:
لا أبدا !! صدقيني مجرد فضول..
سلمى: أصدقك..لكن أتوقع أن تتحرك مشاعرك النائمة هذه قريبا..
ضحكت أمل ثن كتبت: كيف؟ ومن سيحركها يا ترى..تعلمين أني أبعد ما يكون عن قصص الحب ولا أرى الآن أن لها مكانا بحياتي !
سلمى: ربما لست بعيدة عنها كما تظنين، وربما عليك أن تفتحي عينيك جيدا لتري أن لها مكانا بحياتك فعلا..
عقدت أمل حاجبيها بعد أن قرأت كلام سلمى ثم تمتمت: ما بهم جميعا يتحدثون بغموض ..لم أعد أفهم كلام أحد !
ثم كتبت: ماذا تقصدين؟
سلمى: لا شيء محدد..
توقف الاثنان عن الكتابة لدقيقة، و أمل كانت لازالت تتمعن كلمات سلمى، من المؤكد أنها تقصد شيئا !!
عادت سلمى تكتب شيئا ..عقدت أمل حاجبيها وهي تقرأ ..
سلمى: هناك أحيانا أشياء تكون بقربنا، لكننا لا نلاحظها.. لأننا تعودنا عليها، لا نشعر بها.. إلا حين نفقدها وتبتعد عنا..حينها فقط نندم.. ونتمنى لو أنا حافظنا عليها..أرجو أن لا يحدث هذا معك يا أمل !
*************
>>> يــتــبع>>>
فراشة المغرب- عضو نشيط
- الجنس :
المزاج :
عدد الرسائل : 274
العمر : 29
العمل/الترفيه : طالبة
الاقامة : في جعبة الزمان
رد: رواية الحياة أمل
شكرا أختي على القصة المشوقة
فعلا قصة رائعة مليئة بالمفاجئات و الأحداث الشيقة
في إنتظار تتمة القصة
تقبلي مروري
فعلا قصة رائعة مليئة بالمفاجئات و الأحداث الشيقة
في إنتظار تتمة القصة
تقبلي مروري
رد: رواية الحياة أمل
التشويق في مروورك أخي
سعيدة بردك و متابعتك
سعيدة بردك و متابعتك
فراشة المغرب- عضو نشيط
- الجنس :
المزاج :
عدد الرسائل : 274
العمر : 29
العمل/الترفيه : طالبة
الاقامة : في جعبة الزمان
رد: رواية الحياة أمل
شكرا لك اختيفراشة المغرب كتب:التشويق في مروورك أخي
سعيدة بردك و متابعتك
مشاركاتك تكتسي دائما طابعا متميزا
تقبلي مروري أختي الكريمة
رد: رواية الحياة أمل
الشكر لك أخي لمتابعتك الراقية
عطرت صفحتي بمرورك المتميز
عطرت صفحتي بمرورك المتميز
فراشة المغرب- عضو نشيط
- الجنس :
المزاج :
عدد الرسائل : 274
العمر : 29
العمل/الترفيه : طالبة
الاقامة : في جعبة الزمان
رد: رواية الحياة أمل
الجزء الرابع:
- 4 -
صفحة جديدة
**********
أفرغت أمل محتويات حقيبة يدها على السرير، وأخذت تبحث بينها بعصبية و هي تتمتم:
- أين وضعتكِ..أين ؟!
لكن يبدو أنها لم تجد ما تبحث عنه، فاتجهت لخزانة ملابسها، وبحثت فيها أيضا، ثم أغلقت باب الخزانة و أسرعت بالخروج من غرفتها ونزلت الدرج، اتجهت للصالة و أخذت تبحث فوق التلفاز، ربما تكون قد وضعتها هنا دون أن تنتبه ،لكنها أيضا لم تعثر على شيء.
فزفرت بحدة ثم قالت: أين وضعتها يا ترى !
ورفعت صوتها قليلا وهي تنادي والدتها: أمي، هل رأيت..
قطعت أمل جملتها حيت تذكرت بأن والدتها مع أم سامي بمنزلها ..
-أجل سامي..كيف نسيت ! قد قام بإيصالي للمنزل يومها، ربما سقطت مني بطاقة المكتبة في سيارته !
قالتها أمل و خرجت مسرعة من المنزل..
*********
بمنزل سامي، كانت أم أمل و أم سامي جالستين بالحديقة، يتبادلان أطراف الحديث، لكن بمجرد أن لمحا أمل تدخل مسرعة من باب المنزل، توقفتا عن الكلام..
كما أن ملامح أم أمل بدا عليها بعض التوتر حين وقفت أمل أمامهما متسائلة :
- هل سامي هنا؟
قالت أم سامي بابتسامة عريضة: ما بك..هل أنت بحاجة ماسة إليه لدرجة جعلتك لا تسألين حتى عن أحوالي..
قالت أمل بخجل: آسفة خالتي..كيف حالك؟
ردت أم سامي و الابتسامة لم تفارق شفتيها : بخير حال يا ابنتي..
ثم أشارت لكرسي بقربها وهي تضيف : تعالي اجلسي معنا قليلا..
اضطرت أمل للجلوس و قالت لوالدتها: أمي..ألم تري بطاقة المكتبة؟
هزت والدتها رأسها نفيا وهي تقول : لا..هل ضاعت منك؟
قالت أمل وهي تلتفت يمينا ويسارا: أجل..لهذا جئت أبحث عن سامي..قد قام بإيصالي للمنزل يومها ربما سقطت مني في سيارته..
ردت أم سامي: أظن أن سامي لم يذهب لعمله بعد.. ستجدينه بالداخل.
ثم ابتسمت حينما رأته يقترب منهم و أضافت: ها هو.. يبدو أنه قد رآك..
لم تكن قد أنهت عبارتها حين قفزت أمل من الكرسي و أسرعت لسامي وهي تقول:
- سامي..تعال معي لسيارتك بسرعة..
استغرب سامي اللهفة التي لمحها بعينيها حين رأته، وقال بسعادة: يا الهي..كأنك لم تريني منذ قرون..ماذا هناك هل تريدين مني إيصالك لمكان ما؟ يبدو أنك قد تعودت على هذا ..
هزت أمل رأسها نفيا، ودون أن ترد أمسكت بذراعه وجذبته باتجاه مرأب السيارات..
ضحك سامي وهو يقول: ما بك إذا..في ما تحتاجين سيارتي..
توقفت أمل لأنها وجدت باب المرأب مغلقا وقالت : يبدو أن بطاقة المكتبة سقطت مني بسيارتك..
لم يستطع سامي كتم ضحكة مجلجلة انطلقت منه، لكنه حاول التوقف عن الضحك حين لمح الغضب بعيون أمل..
وقال وهو لا يزال يحاول كتم ضحكته: اعذريني..لكن كل هذه اللهفة من أجل بطاقة مكتبة
!
ردت أمل بغضب: نعم..من أجل بطاقة مكتبة، هل تسمح بفتح باب المرأب الآن !
أخرج سامي مفاتيحه و فتح الباب، فأسرعت أمل للسيارة، مما جعله يبتسم و يقول لنفسه بصوت خافت وهو يتبعها للداخل: كم أحسد هذه البطاقة إذن !
بحثت أمل داخل السيارة، لكنها لم تجد شيئا، فخرجت من المرأب دون أن تلفتت لسامي، وجلست على العشب بالحديقة وعلى وجهها علامات خيبة الأمل.
سامي ظل واقفا بمكانه للحظة، قبل أن يخرج من المرأب هو الآخر، و يجلس بجانبها على العشب قائلا: - لم تجديها؟
هزت أمل رأسها نفيا دون أن ترد.
قال سامي:حاولي أن تتذكري أين وضعتها..
ردت أمل بيأس: حاولت، لكني متأكدة أنها كانت بحقيبتي..
قال سامي متسائلا : وهل ضياعها مشكلة؟
نظرت إليه أمل وهي ترد: لا ليست مشكلة..لكن علي أن أبلغ إدارة المكتبة عن ضياعها.. وعلي أن انتظر لفترة قبل أن يمنحوني غيرها..و أنا بحاجة إليها خصوصا أن الدراسة بالجامعة ستبدأ الأسبوع القادم، و سأحتاج لمراجع كثيرة توجد فقط بهذه المكتبة..
ثم قامت واقفة وهي تضيف : لن أضيع وقتا ..سأذهب الآن لأبلغهم عن ضياعه،ا و أقدم طلب حصولي على أخرى..
قام سامي هو الآخر وغمز لها بعينه ثم قال: هل أوصلك؟
ضحكت أمل وقالت: سأتعود على هذا يا سامي..
ابتسم سامي لها وهو يقول: لا عليك.. تعودي..
ثم ابتعد متجها لداخل المنزل وهو يكمل: لازال أمامي القليل من الوقت قبل الذهاب للعمل، إذا كنت ستغيرين ملابسك أسرعي.. لا أريد أن أتأخر..
أسرعت أمل خارجة من باب المنزل وهي تقول: أجل علي أن أغير ملابسي، سأعود حالا..
وفي المكان الذي تجلس فيه أم أمل و أم سامي كانت هذه الأخيرة تتابعهما بعينيها، وعلى شفتيها ابتسامة عريضة، ثم التفتت لأم أمل و هي تقول:
- قولي لي..ألا ترين معي أن هذين الاثنين يناسبان بعضهما البعض !
واستغربت عدم رد أم أمل عليها و الوجوم الذي علا ملامحها..
*******
توقف سامي بالسيارة أمام المكتبة، والتفت لأمل مبتسما وهو يقول: لا زال عرضي قائما.. بإمكاني انتظارك قليلا حتى تنتهين من ما ستقومين به بالداخل، ثم أعيدك للمنزل..فأمامي بعض الوقت قبل موعد عملي..
ابتسمت أمل ثم قالت: لا يا سامي قد أتأخر بالداخل..ولا أريدك تأخيرك عن عملك..
هز سامي رأسه وهو يقول : كما تريدين..هل ستعودين للمنزل مباشرة؟
مطت أمل شفتيها ثم قالت: أجل، للأسف..أصبحت وحيدة هذه الأيام !
ابتسم سامي ثم قال: لم لا تتصلين بصديقتك لتخرجا سويا.. تلك التي كانت تزورك أنت وسلمى كثيرا نسيت اسمها ..
مطت أمل شفتيها ثم قالت: تقصد سارة..زميلتنا بالجامعة..قد سافرت مع عائلتها هذا الصيف ولم تعد بعد كما أعتقد..
ثم صمتت قليلا قبل أن تضيف: يا الهي كم اشتقت للتسوق مع سلمى !! وقد كنت أظنني سأرتاح منه..
ثم أنهت عبارتها بضحكة مما جعل سامي يسألها: ما الذي يضحكك..
ضحكت أمل مرة أخرى و هي تجيب: تذكرت كلاما قالته سلمى لي مؤخرا..شيئا من قبيل أننا لا نعير الأشياء التي بقربنا انتباها بسبب تعدونا عليها..و أننا لا نحس بقيمة هذه الأشياء إلا حين نفقدها..
لم أفهم كلامها حينها و لكني الآن وجدته مناسبا لما أحس به..فأنا لم أظن أنني سأشتاق للتسوق مع سلمى..
ضحك سامي لأنه فهم قصد أخته ثم قال لأمل : أهذا كل ما فهمته من كلامها! وأنا من كان يظنكِ ذكية..
ضربته أمل بخفة على ذراعه وهي تقول: أنا ذكية رغما عنك ! ولا تنسى وعدك لي بفتح صفحة جديدة.. ليست فيها لا سخرية ولا استفزاز..
ثم فتحت باب السيارة وهمت بالخروج، لكنها قبل أن تخرج التفتت إليه وهي تقول: هل فهمت أنت من كلامها شيئا؟
نظر سامي إليها، لو كانت للعيون لغةٌ تُفهم، فلماذا لا تفهم أمل نظراته، فكر أن يصارحها بكل شيء الآن، لكنه عدل عن ذلك، هذا ليس بالوقت الملائم..
و قال ببلادة متعمدة وهو لا زال ينظر إليها: أي كلام؟
زفرت أمل بغضب وقالت وهي تقلد طريقته في الحديث: وأنا من كانت تظنكَ ذكيا..
ثم أبعدت بضعة خصلات عن وجهها قبل أن تكمل: هل فهمت من كلام سلمى شيئا لم أفهمه..
أبعد سامي نظراته عن أمل ثم حرك رأسه نفيا وهو يقول: لا..
عقدت أمل حاجبيها ثم تراخت ملامحها قائلة : حسنا..لا أدري لمَ أشغل تفكيري بكلامها..
ونظرت لساعة يدها قبل أن تقول بابتسامة: ستذهب اليوم مبكرا للعمل..
رد سامي : لا..سأمر على صديق لي قبل الذهاب..
ثم أضاف بابتسامة : ليس من شيمي الوصول للعمل مبكرا !!
ضحكت أمل وهي تقول : طبعا ..ومن سيرميك بمثل هذه التهمة !
ثم أضافت قبل أن تغلق باب السيارة و تبتعد: إلى اللقاء..
اتجهت أمل لباب المكتبة ولكنها قبل أن تدخل سمعت شخصا من الخلف يقول:
-آنسة أمل..
استدارت أمل، ورفعت حاجبيها بدهشة عندما وقعت عينيها على خالد، ثم قالت والدهشة واضحة من نبرة صوتها: من أين عرفت اسمي؟ !
أخرج خالد بطاقة المكتبة من جيب سترته و قدمها لأمل وهو يقول بهدوء: مِن هذه..
وأضاف حين لمح نظرات أمل المتسائلة: وجدتها على المقعد الذي كنت تجلسين عليه المرة السابقة..يبدو أنها سقطت منك..
أمسكت أمل البطاقة قائلة : أشكرك..
هز خالد كتفيه وقال بطريقة لامبالية: لم أقم بما يستحق الشكر..
ابتسمت أمل وعادت تكمل طريقها، تبعها خالد وهو يقول بهدوئه المعتاد: أظنك جئت اليوم من أجلها..فهذا ليس اليوم التي تزورين فيه المكتبة عادةً..
نظرت أمل إليه بدهشة، استغربت أنه على علم بمواعيد زياراتها لهذا المكان..
قال خالد وكأنه سمع ما تفكر فيه: أنا آتي هنا كثيرا.. وقد لاحظت حرصك على زيارة المكتبة كل يوم سبت، وغالبا ما تجلسين في نفس المكان..
وصمت قليلا قبل أن يضيف: ونادرا ما تحدثين أحدا..
كانا قد وصلا لساحة المكتبة، التفتت خالد يمينا ويسارا، ثم قال لأمل بابتسامة جانبية هادئة وهو يشير لإحدى الطاولات: يسعدني انضمامك إلينا..
التفتت أمل للمكان الذي يشير إليه، نفس أفراد المجموعة التي لاحظتها أمل من قبل مع خالد، كانوا ملتفين حول تلك الطاولة، ولمحت أمل من بينهم مروى، ولم يخف عليها الانزعاج الذي بدا على ملامحها حين رأتها مع خالد.. فأكملت طريقها وهي تقول ببرود شديد : لا ..شكرا
ظل خالد يراقبها وهي تبتعد إلى أن دلفت لداخل المكتبة، ثم قال بابتسامته الجانبية المعهودة: حسنا يا آنسة أمل..الأيام القادمة ستجمعنا.. شئتي أم أبيتي !
وبالخارج، سامي كان لا يزال متوقفا بسيارته أمام المكتبة، كان متكئا على المقود ، واضعا يده على ذقنه، وغارقا في التفكير، كان يفكر فيما رآه للتو، قد رأى ذلك الشاب يحدث أمل، ثم رآهما يدلفان سويا لداخل المكتبة، ما رآه سبب له إزعاجا وتوترا كبيرا، الموضوع ليس غيرة فقط، رغم أنه لا ينكر أنه شعر بها، لكن شيئا في ذلك الشاب جعل سامي لا يرتاح له، و هو لا يدري ما هو هذا الشيء بالضبط !
*********
كانت أم سامي جالسة بقرب زوجها على الأريكة، يشاهدان نشرة الأخبار، لكن أفكار أم سامي كانت تبحر بعيدا جدا، هناك موضوع يشغل تفكيرها، عليها أن تتحدث مع زوجها فيه، ليس هناك أنسب من هذا الوقت، فسامي ليس بالبيت..
تنحنحت قبل أن تقول: هناك موضوع أود أن أحدثك فيه..
التفتت والد سامي إليها قائلا: أي موضوع؟
ردت أم سامي بهدوء: موضوع خاص بسامي و أمل ..
عقد والد سامي حاجبيه،ثم أطفئ جهاز التلفاز و اعتدل في جلسته وهو يقول: ما بهما؟
تنهدت والدة سامي ثم قالت: بل قل ما به ابني..هل تعلم أن سامي يحب أمل؟
تجمدت ملامح والد سامي وهو يقول: هل أخبرك بنفسه..
هزت والدة سامي رأسها نفيا وهي تقول: لا..ولست بحاجة لأن يخبرني..
قال والد سامي وملامحه تحمل نفس الجمود: إذن ربما أنت مخطأة..
ردت والدة سامي بإصرار: لا ..أنا واثقة مما أقول.
ثم صمتت قليلا قبل أن تضيف: ما رأيك أن نقوم بخطبة أمل لسامي..لا أظنها سترفضه..
رد والد سامي بحدة وكأنه صدم لكلام زوجته : لا !
رفعت والدة سامي حاجبيها بدهشة وهي تقول: لماذا لا ! أمل و إن لم تكن تحب سامي الآن مثل ما يحبها..فأنا واثقة من أنها تعزه كثيرا..هذه المعزة من السهل أن تتحول لحب..ولا أظنها ستجد زوجا يحبها و يقدرها.. و يفهمها مثله..
وفجأة اعتدلت واقفة وعلامات الدهشة قد زادت على ملامحها : لا تقل لي أن أم أمل ووالدها سيرفضان !
أمسك والد سامي بذراع زوجته و جذبها كي تعود للجلوس وهو يقول: اهدئي.. قد تحدثت بهذا الموضوع مع والد أمل.. وأنا من سيقوم بحله مع سامي ..فلا تشغلي بالك....
قالت والدة سامي بغضب: إذن فقد سبق وتحدثتم و اتفقتم أيضا.. و أنا آخر من يعلم !..ثم كلامك يدل على أنهما يرفضان ابني فعلا !
نظر والد سامي إليه ويبدو أنه لم يجد بما يجيبها فظل صامتا..
قالت والدة أمل و كلماته تحمل من الدهشة مثل ما تحمله من الغضب: لكن لا أفهم !
لماذا يرفضانه؟..ألسنا كالعائلة الواحدة..يعلمان أن معزة أمل عندنا بمعزة ابنتنا سلمى..و سامي من خيرة الشباب.. ليس هناك ما يعيبه..ووالدة أمل..لطالما عاملت سامي كابن لها..أنا أعلم أنها تحبه وتريد سعادته..إذن لماذا؟ !
ونظرت لزوجها تنتظر منه جوابا، لكنه أطرق برأسه، وظل صامتا، كان لا يدري فعلا بما يجيب !
***********
ضحكت سلمى وهي تقول لأمل عبر الهاتف: ما هذا ..قد كان علي أن أرجو سامي لساعات حتى يوافق على إيصالي لمكان ما..هل أصبح أخي فجأة سائقك الخاص أم ماذا !؟
جلست أمل على سريرها ثم قالت بدلال: هو من يقدم خدماته..
استمرت سلمى بالضحك قليلا قبل أن تقول: أنا أشفق على أخي المسكين..لم أظن أني تركته في يد مستغلة مثلك..
قالت أمل بغضب متصنع: ما هذا الذي تقولينه..أنا لست مستغلة..ثم هذا أقل شيء يفعله ليكفر عن سنوات تحملت فيها مضايقاته..
سلمى:حسنا لا تغضبي..لستِ مستغلة..وهو يستحق فعلا..لكن رفقا به يا أمل..
ضحكت أمل وهي تقول: لا تخشي شيئا..ثم لربما أبتاع سيارة قريبا ..ولن أكون بحاجة إليه ولا لخدماته..
شهقت سلمى وقالت باستنكار: ألم أقل أنك مستغلة !
قامت أمل من السرير و اتجهت لشرفة غرفتها ثم قالت ضاحكة: ما بك..أنا أمزح لا غير..
سلمى: أعلم أيتها السخيفة..أخبريني متى ستبدأ الدراسة بالجامعة..
قالت أمل وهي تراقب تلك الفتاة التي توقفت بباب منزلهم: بعد غد..
تنهدت سلمى قائلة: كم أنت محظوظة..أتمنى لو أستطيع الذهاب معك
أمل لم ترد عليها فقد كانت تحاول تمييز تلك الفتاة، لكنها لم تفلح لأن الفتاة كانت قد دخلت المنزل..
سلمى بغضب: أمل أين ذهبت؟
انتبهت أمل و ردت على سلمى: آسفة..لكن هناك فتاة دخلت المنزل للتو ..
سلمى: من سارة؟..
أمل وهي تعود لداخل الغرفة: لا ليست سارة..و لم أستطع تمييز من تكون.. قد دخلت بسرعة..دعينا من هذا وقولي لي لماذا تتمنين لو كنت ستذهبين معي للجامعة..ألم يكن حلمك الزواج بأحمد، أنت من قررتْ أن لا تواصل دراستها من أجله..
مطت سلمى شفتيها وهي تقول: أجل هو قراري..لست نادمة عليه..لكن كل ما في الأمر أني سأشتاق لأجواء الدراسة..أفكر هذه الأيام أن أتابع دراستي بإحدى الجامعات هنا..
همت أمل أن تقول شيئا لكنها سمعت طرقا على باب غرفتها و وجدت والدتها تطل برأسها وهي تقول: - أمل..هناك فتاة تريدك بالأسفل..
عقدت أمل حاجبيها ثم قالت: من يا أمي؟
ردت أم أمل بابتسامة عريضة: انزلي و ستعلمين..
***************
يتبع
فراشة المغرب- عضو نشيط
- الجنس :
المزاج :
عدد الرسائل : 274
العمر : 29
العمل/الترفيه : طالبة
الاقامة : في جعبة الزمان
رد: رواية الحياة أمل
نايس كثيييير حبيبتي!!!! طريقتة كتابتك حلوة!!!!
اميرة- عـــضــو
- الجنس :
المزاج :
عدد الرسائل : 11
العمر : 35
رد: رواية الحياة أمل
ولله نآآآآآيس كثيييييييييييييير يسلمو إيديكي حبيبتي!!! عن جد طريقة كتابتك رائعة
اميرة- عـــضــو
- الجنس :
المزاج :
عدد الرسائل : 11
العمر : 35
رد: رواية الحياة أمل
ولله الفصل كثييييير حلو!!! والكن كرهت والدا أمل!!! لمذا يريدان إبعاد أمل عن سامي ولله حرام!!!
اميرة- عـــضــو
- الجنس :
المزاج :
عدد الرسائل : 11
العمر : 35
رد: رواية الحياة أمل
أنتضر بفارغ الصبر الجزء التالي!!!
اميرة- عـــضــو
- الجنس :
المزاج :
عدد الرسائل : 11
العمر : 35
مواضيع مماثلة
» علمتني الحياة.........
» مقتطفات مؤلمة .......فهل هكدا هى الحياة؟؟؟؟
» عشرون نصيحة لنجاح فى الحياة ..يارب يعجبكم
» مقتطفات مؤلمة .......فهل هكدا هى الحياة؟؟؟؟
» عشرون نصيحة لنجاح فى الحياة ..يارب يعجبكم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت أغسطس 30, 2014 9:58 am من طرف nadorforum
» شركة أجنبية تحط رحالها بالمغرب تبحث عن مندوبين و مندوبات بجم
الأربعاء فبراير 26, 2014 2:40 pm من طرف مؤسسة ناظور أناقتي
» شعر عن الغرام
الأحد نوفمبر 17, 2013 5:33 am من طرف khoujawapo
» شعر يحكي قصة حب
الأحد نوفمبر 17, 2013 5:20 am من طرف khoujawapo
» باش مايلصقش الحليب فالكسرونة
الجمعة أكتوبر 25, 2013 1:27 pm من طرف مؤسسة ناظور أناقتي
» لازالة اثار العرق
الجمعة أكتوبر 25, 2013 1:26 pm من طرف مؤسسة ناظور أناقتي
» لبيت نظيف
الجمعة أكتوبر 25, 2013 1:24 pm من طرف مؤسسة ناظور أناقتي
» أسهل طريقة لتقطيع خروف العيد بالفيديو
الجمعة أكتوبر 18, 2013 4:45 pm من طرف مؤسسة ناظور أناقتي
» رغايف باللوز شهوة منهم
الثلاثاء مايو 21, 2013 9:11 am من طرف زهرة الشرق
» بغرير بروفيسيونيل جبت ليكم الجديد فهاد رمضان
الثلاثاء مايو 21, 2013 9:03 am من طرف زهرة الشرق
» بريوش غزال
الثلاثاء مايو 21, 2013 8:59 am من طرف زهرة الشرق
» حرشة ممتازة وبنينة اجيو تجربوها
الثلاثاء مايو 21, 2013 8:57 am من طرف زهرة الشرق
» كل ماسكات التبيض للبشره والجسم
الجمعة أبريل 26, 2013 6:51 pm من طرف مؤسسة ناظور أناقتي
» عضوة جديدة هل من ترحيب
الجمعة مارس 15, 2013 5:33 am من طرف زهرة الشرق
» لماذا اليهود سادة العالم - حقائق وأرقام
الإثنين فبراير 25, 2013 2:42 pm من طرف مؤسسة ناظور أناقتي
» ديكور رائع
الثلاثاء نوفمبر 20, 2012 12:09 pm من طرف مؤسسة ناظور أناقتي
» عاجل موقع العاب مجاني رائع
الثلاثاء نوفمبر 20, 2012 8:04 am من طرف مؤسسة ناظور أناقتي
» مقادير تحضير القروط بالتمر
الثلاثاء يوليو 31, 2012 7:50 am من طرف زهرة الشرق
» البيتزا بالكفتة
الثلاثاء يوليو 31, 2012 7:45 am من طرف زهرة الشرق
» طريقة تحضير الارز بالقمرون و الفلفل الوان
الثلاثاء يوليو 31, 2012 7:40 am من طرف زهرة الشرق